فصل: الجزء الرابع

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج ***


الجزء الرابع

كِتَابُ الْجِرَاحِ

هُوَ بِكَسْرِ الْجِيمِ جَمْعُ جِرَاحَةٍ، وَهِيَ إمَّا مُزْهِقَةٌ لِلرُّوحِ أَوْ مُبِينَةٌ لِلْعُضْوِ أَوْ لَا تَحْصُلُ وَاحِدًا مِنْهُمَا‏.‏ وَلَمَّا كَانَتْ الْجِرَاحَةُ تَارَةً تُزْهِقُ النَّفْسَ‏:‏ إمَّا بِالْمُبَاشَرَةِ، وَإِمَّا بِالسِّرَايَةِ، وَتَارَةً تُبِينُ عُضْوًا، وَتَارَةً لَا تَفْعَلُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ جَمَعَهَا لِاخْتِلَافِ أَنْوَاعِهَا، وَكَانَ التَّبْوِيبُ بِالْجِنَايَاتِ أَوْلَى لِشُمُولِهَا الْجِنَايَةَ بِالْجُرْحِ وَغَيْرِهِ كَالْقَتْلِ بِمُثَقَّلٍ وَمَسْمُومٍ وَسِحْرٍ، لَكِنْ قَالَ الرَّافِعِيُّ‏:‏ لَمَّا كَانَتْ الْجِرَاحَةُ أَغْلَبَ طُرُقِ الْقَتْلِ حَسُنَتْ التَّرْجَمَةُ بِهَا وَأَمَّا الْجُرْحُ بِضَمِّهَا فَهُوَ الِاسْمُ، وَالْجَمْعُ جُرُوحٌ، وَاجْتَرَحَ بِمَعْنَى‏:‏ اكْتَسَبَ، وَمِنْهُ ‏"‏ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ‏"‏ وَجَوَارِحُ الْإِنْسَانِ‏:‏ أَعْضَاؤُهُ، وَجَوَانِحُهُ‏:‏ أَطْرَافُ ضُلُوعِهِ‏.‏ وَالْأَصْلُ فِي الْبَابِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ آيَاتٌ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ‏}‏، وَأَخْبَارٌ كَخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ ‏{‏اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ‏.‏ قِيلَ‏:‏ وَمَا هُنَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ‏؟‏ قَالَ‏:‏ الشِّرْكُ بِاَللَّهِ وَالسِّحْرُ وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إلَّا بِالْحَقِّ وَأَكْلُ الرِّبَا وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ‏}‏ وَقَتْلُ الْآدَمِيِّ عَمْدًا بِغَيْرِ حَقٍّ أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ بَعْدَ الْكُفْرِ، ‏{‏فَقَدْ سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ‏؟‏ قَالَ‏:‏ أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ، قِيلَ، ثُمَّ أَيُّ‏؟‏ قَالَ‏:‏ أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ مَخَافَةَ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ‏}‏ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ‏.‏ وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏{‏لَقَتْلُ مُؤْمِنٍ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ زَوَالِ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا‏}‏ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، وَتَصِحُّ تَوْبَةُ الْقَاتِلِ عَمْدًا؛ لِأَنَّ الْكَافِرَ تَصِحُّ تَوْبَتُهُ، فَهَذَا أَوْلَى، وَلَا يَتَحَتَّمُ عَذَابُهُ، بَلْ هُوَ فِي خَطَرِ الْمَشِيئَةِ، وَلَا يَخْلُدُ عَذَابُهُ إنْ عُذِّبَ، وَإِنْ أَصَرَّ عَلَى تَرْكِ التَّوْبَةِ كَسَائِرِ ذَوِي الْكَبَائِرِ غَيْرِ الْكُفْرِ، وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا‏}‏ فَالْمُرَادُ بِالْخُلُودِ الْمُكْثُ الطَّوِيلُ، فَإِنَّ الدَّلَائِلَ مُتَظَاهِرَةٌ عَلَى أَنَّ عُصَاةَ الْمُسْلِمِينَ لَا يَدُومُ عَذَابُهُمْ أَوْ مَخْصُوصٌ بِالْمُسْتَحِلِّ لِقَتْلِهِ كَمَا ذَكَرَهُ عِكْرِمَةُ وَغَيْرُهُ، وَإِذَا اقْتَصَّ مِنْهُ الْوَارِثُ أَوْ عَفَا عَلَى مَالٍ أَوْ مَجَّانًا فَظَوَاهِرُ الشَّرْعِ تَقْتَضِي سُقُوطَ الْمُطَالَبَةِ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْمُصَنِّفُ وَذَكَرَ مِثْلَهُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ، لَكِنَّ ظَاهِرَ تَعْبِيرِ الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ يَدُلُّ عَلَى بَقَاءِ الْعُقُوبَةِ، فَإِنَّهُمَا قَالَا‏:‏ وَيَتَعَلَّقُ بِالْقَتْلِ الْمُحَرَّمِ وَرَاءَ الْعُقُوبَةِ الْأُخْرَوِيَّةِ مُؤَاخَذَاتٍ فِي الدُّنْيَا، وَجَمَعَ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ بِأَنَّ كَلَامَ الرَّوْضَةِ وَأَصْلَهَا مَفْرُوضٌ فِيمَنْ مَاتَ مُصِرًّا عَلَى الْقَتْلِ، وَكَلَامَ الْفَتَاوَى وَشَرْحِ مُسْلِمٍ مَفْرُوضٌ فِيمَنْ تَابَ ثُمَّ أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ، وَلَوْ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا‏:‏ وَيَتَعَلَّقُ بِالْقَتْلِ الْمُحَرَّمِ وَرَاءَ اسْتِحْقَاقِ الْعُقُوبَةِ الْأُخْرَوِيَّةِ بَدَلَ قَوْلِهِ وَرَاءَ الْعُقُوبَةِ لَكَانَ أَوْلَى، لِأَنَّ الْعُقُوبَةَ غَيْرُ مَجْزُومٍ بِهَا لِجَوَازِ الْعَفْوِ وَمَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ الْمَقْتُولَ لَا يَمُوتُ إلَّا بِأَجَلِهِ وَالْقَتْلُ لَا يَقْطَعُ الْأَجَلَ خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ فَإِنَّهُمْ قَالُوا الْقَتْلُ يَقْطَعُهُ‏.‏

المتن‏:‏

الْفِعْلُ الْمُزْهِقُ ثَلَاثَةٌ‏:‏ عَمْدٌ، وَخَطَأٌ، وَشِبْهُ عَمْدٍ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

ثُمَّ شَرَعَ الْمُصَنِّفُ فِي تَقْسِيمِ الْقَتْلِ إلَى عَمْدٍ وَغَيْرِهِ، فَقَالَ ‏(‏الْفِعْلُ‏)‏ الصَّادِرُ مِنْ شَخْصٍ مُبَاشَرَةً أَوْ سَبَبًا جُرْحًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ ‏(‏الْمُزْهِقُ‏)‏ بِكَسْرِ الْهَاءِ‏:‏ أَيْ الْقَاتِلُ لِلنَّفْسِ أَقْسَامُهُ ‏(‏ثَلَاثَةٌ‏:‏ عَمْدٌ وَخَطَأٌ وَشِبْهُ عَمْدٍ‏)‏ وَجْهُ الْحَصْرِ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْجَانِيَ إنْ لَمْ يَقْصِدْ عَيْنَ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فَهُوَ الْخَطَأُ وَإِنْ قَصَدَهَا، فَإِنْ كَانَ بِمَا يَقْتُلُ غَالِبًا فَهُوَ الْعَمْدُ، وَإِلَّا فَشِبْهُ الْعَمْدِ‏.‏ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ خُزَيْمَةَ أَنَّهُ قَالَ‏:‏ حَضَرْت مَجْلِسَ الْمُزَنِيِّ يَوْمًا فَسَأَلَهُ رَجُلٌ مِنْ الْعِرَاقِ عَنْ شِبْهِ الْعَمْدِ، فَقَالَ‏:‏ إنَّ اللَّهَ وَصَفَ الْقَتْلَ فِي كِتَابِهِ بِصِفَتَيْنِ عَمْدٍ وَخَطَإٍ، فَلِمَ قُلْتُمْ‏:‏ إنَّهُ ثَلَاثَةُ أَصْنَافٍ‏؟‏ فَاحْتَجَّ عَلَيْهِ الْمُزَنِيّ بِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ حِبَّانَ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ ‏{‏أَلَا إنَّ فِي قَتِيلِ عَمْدِ الْخَطَإِ قَتِيلِ السَّوْطِ أَوْ الْعَصَا مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ مُغَلَّظَةً مِنْهَا أَرْبَعُونَ خَلِفَةً فِي بُطُونِهَا أَوْلَادُهَا‏}‏‏.‏ فَقَالَ الْمُنَاظِرُ‏:‏ أَتَحْتَجُّ عَلَيَّ بِعَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ فَسَكَتَ الْمُزَنِيّ‏.‏ فَقُلْت لِلْمُنَاظِرِ‏:‏ قَدْ رَوَاهُ جَمَاعَةٌ غَيْرُهُ مِنْهُمْ أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ وَخَالِدٌ الْحَذَّاءُ‏.‏ فَقَالَ لِلْمُزَنِيِّ‏:‏ أَنْتَ تُنَاظِرُ أَمْ هَذَا‏؟‏‏.‏ فَقَالَ‏:‏ إذَا جَاءَ الْحَدِيثُ فَهُوَ يُنَاظِرُ، لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي ثُمَّ أَتَكَلَّمُ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

إنَّمَا قَيَّدَ الْفِعْلَ بِالْإِزْهَاقِ مَعَ أَنَّ الْجُرْحَ وَالْأَطْرَافَ حُكْمُهَا كَذَلِكَ، لِأَنَّهُ يَذْكُرُهَا بَعْدُ فِي قَوْلِهِ‏:‏ وَيُشْتَرَطُ لِقِصَاصِ الطَّرَفِ وَالْجُرْحِ مَا شُرِطَ لِلنَّفْسِ‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ كَانَ الْأَحْسَنُ التَّعْبِيرَ بِالْأَفْعَالِ لِيُطَابِقَ الْمُبْتَدَأُ الْخَبَرَ‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّهُ أَرَادَ بِالْفِعْلِ الْجِنْسَ‏:‏ وَشِبْهُ بِكَسْرِ الشِّينِ وَإِسْكَانِ الْبَاءِ، وَيَجُوزُ فَتْحُهُمَا، وَيُقَالُ أَيْضًا شَبِيهٌ كَمِثْلٍ وَمَثَلٍ وَمَثِيلٍ‏.‏

فَائِدَةٌ‏:‏

يُمْكِنُ انْقِسَامُ الْقَتْلِ إلَى الْأَحْكَامِ الْخَمْسَةِ‏:‏ وَاجِبٌ وَحَرَامٌ وَمَكْرُوهٌ وَمَنْدُوبٌ وَمُبَاحٌ، فَالْأَوَّلُ‏:‏ قَتْلُ الْمُرْتَدِّ إذَا لَمْ يَتُبْ، وَالْحَرْبِيِّ إذَا لَمْ يُسْلِمْ أَوْ يُعْطِ الْجِزْيَةَ‏.‏ وَالثَّانِي‏:‏ قَتْلُ الْمَعْصُومِ بِغَيْرِ حَقٍّ‏.‏ وَالثَّالِثُ‏:‏ قَتْلُ الْغَازِي قَرِيبَهُ الْكَافِرَ إذَا لَمْ يَسُبَّ اللَّهَ أَوْ رَسُولَهُ‏.‏ وَالرَّابِعُ‏:‏ قَتْلُهُ إذَا سَبَّ أَحَدَهُمَا‏.‏ وَالْخَامِسُ‏:‏ قَتْلُ الْإِمَامِ الْأَسِيرَ، فَإِنَّهُ مُخَيَّرٌ فِيهِ كَمَا سَيَأْتِي، وَأَمَّا قَتْلُ الْخَطَإِ فَلَا يُوصَفُ بِحَرَامٍ وَلَا حَلَالٍ، لِأَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ فِيمَا أَخْطَأَ فَهُوَ كَفِعْلِ الْمَجْنُونِ وَالْبَهِيمَةِ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَا قِصَاصَ إلَّا فِي الْعَمْدِ، وَهُوَ قَصْدُ الْفِعْلِ وَالشَّخْصِ بِمَا يَقْتُلْ غَالِبًا‏:‏ جَارِحٌ أَوْ مُثَقَّلٌ، إنْ فُقِدَ قَصْدُ أَحَدِهِمَا بِأَنْ وَقَعَ عَلَيْهِ فَمَاتَ، أَوْ رَمَى شَجَرَةً فَأَصَابَهُ فَخَطَأٌ، وَإِنْ قَصَدَهُمَا بِمَا لَا يَقْتُلُ غَالِبًا فَشِبْهُ عَمْدٍ، وَمِنْهُ الضَّرْبُ بِسَوْطٍ أَوْ عَصًا‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَا قِصَاصَ‏)‏ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ ‏(‏إلَّا فِي الْعَمْدِ‏)‏ لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى‏}‏ الْآيَةَ، سَوَاءٌ مَاتَ فِي الْحَالِ أَمْ بَعْدَهُ بِسِرَايَةِ جِرَاحَةٍ وَأَمَّا عَدَمُ وُجُوبِهِ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ فَلِلْحَدِيثِ الْمَارِّ، وَأَمَّا فِي الْخَطَإِ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ‏}‏ فَأَوْجَبَ الدِّيَةَ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْقِصَاصِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

يُشْتَرَطُ فِي الْعَمْدِ أَنْ يَكُونَ ظُلْمًا مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ مُزْهِقًا لِلرُّوحِ بِخِلَافِ غَيْرِ الظُّلْمِ، وَبِخِلَافِ الظُّلْمِ لَا مِنْ تِلْكَ الْحَيْثِيَّةِ كَأَنْ عَدَلَ عَنْ الطَّرِيقِ الْمُسْتَحَقِّ فِي الْإِتْلَافِ، كَأَنْ اسْتَحَقَّ حَزَّ رَقَبَتِهِ قَوَدًا فَقَدَّهُ نِصْفَيْنِ، وَالْقِصَاصُ بِكَسْرِ الْقَافِ الْمُمَاثَلَةُ، وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ الْقَصِّ وَهُوَ الْقَطْعُ، أَوْ مِنْ اقْتِصَاصِ الْأَثَرِ وَهُوَ تَتَبُّعُهُ، لِأَنَّ الْمُقْتَصَّ يَتْبَعُ جِنَايَةَ الْجَانِي لِيَأْخُذَ مِثْلَهَا ‏(‏وَهُوَ‏)‏ أَيْ الْعَمْدُ فِي النَّفْسِ ‏(‏قَصْدُ الْفِعْلِ‏)‏ الْعُدْوَانِ ‏(‏وَ‏)‏ عَيْنُ ‏(‏الشَّخْصِ بِمَا يَقْتُلْ‏)‏ قَطْعًا أَوْ ‏(‏غَالِبًا‏)‏ قَوْلُهُ ‏(‏جَارِحٍ أَوْ مُثَقَّلٍ‏)‏ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ وَلَوْ أَسْقَطَهُمَا كَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ ذَلِكَ الْقَتْلَ بِالسِّحْرِ وَشَهَادَةِ الزُّورِ وَنَحْوِ ذَلِكَ هُمَا مَجْرُورَانِ عَلَى الْبَدَلِ مِنْ مَا، وَيَجُوزُ رَفْعُهُمَا عَلَى الْقَطْعِ أَوْ لَعَلَّهُ قَصَدَ بِالتَّصْرِيحِ بِهِمَا التَّنْبِيهَ عَلَى خِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ لَمْ يُوجِبْهُ فِي الْمُثْقِلِ كَالْحَجَرِ وَالدَّبُوسِ الثَّقِيلَيْنِ، وَدَلِيلُنَا عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا‏}‏ وَهُنَا قُتِلَ مَظْلُومًا، وَخَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ ‏{‏إنَّ جَارِيَةً وُجِدَتْ وَقَدْ رُضَّ رَأْسُهَا بَيْنَ حَجَرَيْنِ، فَقِيلَ لَهَا‏:‏ مَنْ فَعَلَ بِكَ هَذَا أَفُلَانٌ أَوْ فُلَانٌ‏؟‏ حَتَّى سُمِّيَ يَهُودِيٌّ فَأَوْمَأَتْ بِرَأْسِهَا فَأُخِذَ الْيَهُودِيُّ فَاعْتَرَفَ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَضِّ رَأْسِهِ بِالْحِجَارَةِ‏}‏ فَثَبَتَ الْقِصَاصُ فِي هَذَا بِالنَّصِّ، وَقِيسَ عَلَيْهِ الْبَاقِي وَقَدْ وَافَقْنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَلَى أَنَّ الْقَتْلَ بِالْعَمُودِ الْحَدِيدِ مُوجِبٌ لِلْقَوَدِ، وَقَدْ ثَبَتَ النَّصُّ فِي الْقِصَاصِ بِغَيْرِهِ فِي الْمُثَقَّلِ كَمَا مَرَّ، فَلَا خُصُوصِيَّةَ لِلْعَمُودِ الْحَدِيدِ، لِأَنَّ الْقِصَاصَ شُرِعَ لِصِيَانَةِ النُّفُوسِ فَلَوْ لَمْ يَجِبْ بِالْمُثَقَّلِ لَمَا حَصَلَتْ الصِّيَانَةُ، فَإِنْ قِيلَ‏:‏ إنْ أَرَادَ بِمَا يَقْتُلُ غَالِبًا الْآلَةَ وَرَدَ غَرْزُ الْإِبْرَةِ فِي مَقْتَلٍ أَوْ فِي غَيْرِهِ مَعَ الْوَرَمِ وَالْأَلَمِ إلَى الْمَوْتِ فَإِنَّهُ عَمْدٌ وَالْآلَةُ لَا تَقْتُلُ غَالِبًا، وَإِنْ أَرَادَ الْفِعْلَ وَرَدَ إذَا قَطَعَ أُنْمُلَةً فَبَانَ فَسَرَتْ الْجِرَاحَةُ إلَى النَّفْسِ فَالْقِصَاصُ وَاجِبٌ وَالْفِعْلُ لَا يَقْتُلُ غَالِبًا‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ الْآلَةُ، وَلَا يَرِدُ غَرْزُ الْإِبْرَةِ، لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِهَا بَعْدُ لِخُرُوجِهَا عَنْ الضَّابِطِ أَوْ أَنَّهَا تَقْتُلُ غَالِبًا فِي هَذَا الْمَحَلِّ الَّذِي غُرِزَتْ فِيهِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

مَا جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ مِنْ قَصْدِ تَعْيِينِ الشَّخْصِ فِي الْعَمْدِ مُوَافِقٌ لِلرَّوْضَةِ هُنَا وَلِمَا سَيَأْتِي فِي مُوجِبَاتِ الدِّيَةِ، فَلَوْ قَصَدَ إصَابَةَ أَحَدِ رَجُلَيْنِ فَأَصَابَ وَاحِدًا مِنْهُمَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ، وَلَا يُخَالِفُ هَذَيْنِ الْمَوْضِعَيْنِ مَا رَجَّحَهُ قَبْلَ الدِّيَاتِ مِنْ زَوَائِدِهِ مِنْ وُجُوبِ الْقِصَاصِ فِيمَنْ رَمَى شَخْصًا أَوْ جَمْعًا وَقَصَدَ إصَابَةَ أَيِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَأَصَابَ وَاحِدًا، لِأَنَّ أَيَّ لِلْعُمُومِ فَكَأَنَّ كُلَّ شَخْصٍ مَقْصُودٌ بِخِلَافِ مَا إذَا قَصَدَ وَاحِدًا لَا بِعَيْنِهِ فَلَا يَكُونُ عَمْدًا، فَمَا فِي الزَّوَائِدِ هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ الْبُلْقِينِيُّ وَالْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا، وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا مَعَ قَصْدِ الشَّخْصِ أَنْ يُعْرَفَ أَنَّهُ إنْسَانٌ كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ، فَلَوْ رَمَى شَخْصًا اعْتَقَدَهُ نَخْلَةً فَكَانَ إنْسَانًا لَمْ يَكُنْ عَمْدًا عَلَى الصَّحِيحِ، وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَأَوْرَدَ عَلَى الْمُصَنِّفِ مَا إذَا قَصَدَ الْفِعْلَ وَالشَّخْصَ بِمَا يَقْتُلُ غَالِبًا بِجِهَةِ حُكْمٍ، ثُمَّ بَانَ الْخَلَلُ فِي مُسْتَنِدِهِ وَلَمْ يُقَصِّرْ الْحَاكِمُ كَمَا إذَا قَتَلَهُ بِشَهَادَةِ مَنْ بَانَا بَعْدَ الْقَتْلِ رَقِيقَيْنِ، إذْ الرَّاجِحُ وُجُوبُ الدِّيَةِ مُخَفَّفَةً، وَمَا إذَا رُمِيَ حَرْبِيٌّ أَوْ مُرْتَدٌّ فَأَسْلَمَ، ثُمَّ أَصَابَهُ السَّهْمُ إذْ هُوَ خَطَأٌ، وَعَنْ النَّصِّ أَنَّهَا حَالَّةٌ فِي مَالِ الْجَانِي، وَمَا إذَا وَكَّلَ وَكِيلًا فِي اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ ثُمَّ عَفَا عَنْ الْجَانِي أَوْ عَزَلَ وَلَمْ يَعْلَمْ الْوَكِيلُ ذَلِكَ، وَاسْتَوْفَى الْقِصَاصَ تَجِبُ دِيَةٌ مُغَلَّظَةٌ حَالَّةٌ عَلَى الْوَكِيلِ، وَقَدْ يُقَالُ‏:‏ إنَّمَا سَقَطَ الْقِصَاصُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ لِعَوَارِضَ، ‏(‏إنْ فُقِدَ قَصْدُ‏)‏ هُمَا أَوْ فُقِدَ قَصْدُ ‏(‏أَحَدِهِمَا‏)‏ أَيْ الْفِعْلِ أَوْ الشَّخْصِ ‏(‏بِأَنْ وَقَعَ عَلَيْهِ فَمَاتَ‏)‏، هَذَا كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ‏:‏ مِثَالٌ لِلْأُولَى، فَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنَّفِ أَنْ يَزِيدَهَا، وَأَمَّا مِثَالُ الثَّانِيَةِ فَهُوَ قَوْلُهُ ‏(‏أَوْ رَمَى شَجَرَةً‏)‏ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ كَدَابَّةٍ ‏(‏فَأَصَابَهُ‏)‏ فَمَاتَ أَوْ رَمَى آدَمِيًّا فَأَصَابَ غَيْرَهُ فَمَاتَ ‏(‏فَخَطَأٌ‏)‏ لِعَدَمِ قَصْدِ عَيْنِ الشَّخْصِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

نُوزِعَ الْمُصَنِّفُ فِي تَصْوِيرِ قَصْدِ الشَّخْصِ دُونَ الْفِعْلِ فَإِنَّهُ مُتَعَذِّرٌ‏.‏ قِيلَ‏:‏ وَيُمْكِنُ تَصْوِيرُهُ بِمَا إذَا قَصَدَ ضَرْبَهُ بِصُفْحِ السَّيْفِ فَأَخْطَأَ وَأَصَابَ بِحَدِّهِ، فَهَذَا لَمْ يَقْصِدْ الْفِعْلَ بِالْحَدِّ مَعَ أَنَّهُ قَصَدَ الشَّخْصَ وَبِمَا لَوْ تَوَعَّدَهُ إمَامٌ ظَالِمٌ وَهَدَّدَهُ فَمَاتَ بِذَلِكَ فَهَذَا قَصْدُ الشَّخْصِ بِالْكَلَامِ، وَلَمْ يَقْصِدْ لِلْفِعْلِ الْوَاقِعِ بِهِ لِعَدَمِ صُدُورِهِ إذْ ذَاكَ مِنْهُ، وَنُوزِعَ فِي الْمِثَالِ أَيْضًا بِأَنَّ مَنْ وَقَعَ عَلَى شَخْصٍ لَا يُنْسَبُ إلَيْهِ فِعْلٌ أَصْلًا فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ خَطَأً؛ لِأَنَّ الْخَطَأَ عَلَى مُقْتَضَى تَقْسِيمِ الْمُصَنِّفِ الْفِعْلَ الْمُزْهِقَ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ فِعْلٍ، وَقَدْ يُعْتَذَرُ عَنْهُ، كَمَا قَالَهُ بَعْضُ شَرَّاحِ الْكِتَابِ بِأَنَّ الْمِثَالَ الْمَذْكُورَ مِمَّا يُعْطِي حُكْمَ الْخَطَإِ وَلَيْسَ بِخَطَإٍ، أَوْ أَنَّ الْوُقُوعَ فِيهِ مَنْسُوبٌ إلَى الشَّخْصِ الْوَاقِعِ فَيَصْدُقُ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ الْفِعْلُ الْمُقْسَمُ، وَعِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ ظَاهِرَةٌ فِي الْمُرَادِ حَيْثُ قَالَ‏:‏ الْفِعْلُ الْمُزْهِقُ إنْ وُجِدَ وَالشَّخْصُ غَيْرُ قَاصِدٍ لِلْفِعْلِ بِأَنْ صَاحَ عَلَى صَبِيٍّ فَمَاتَ أَوْ غَيْرُ قَاصِدٍ لِمَنْ أَصَابَهُ كَمَا إذَا رَمَى شَجَرَةً فَأَصَابَ إنْسَانًا فَهَذَا خَطَأٌ، فَظَهَرَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْخَطَإِ أَحَدُ أَمْرَيْنِ‏:‏ أَنْ لَا يَقْصِدَ أَصْلَ الْفِعْلِ أَوْ يَقْصِدَهُ دُونَ الشَّخْصِ، ‏(‏وَإِنْ قَصَدَهُمَا‏)‏ أَيْ الْفِعْلَ وَالشَّخْصَ ‏(‏بِمَا‏)‏ أَيْ شَيْءٍ لَهُ مَدْخَلٌ فِي الْإِهْلَاكِ ‏(‏لَا يَقْتُلُ غَالِبًا‏)‏ عُدْوَانًا فَمَاتَ ‏(‏فَشِبْهُ عَمْدٍ‏)‏ سُمِّيَ بِذَلِكَ، لِأَنَّهُ أَشْبَهَ الْعَمْدَ فِي الْقَصْدِ، وَيُسَمَّى أَيْضًا خَطَأَ عَمْدٍ وَعَمْدَ خَطَإٍ وَخَطَأَ شِبْهِ عَمْدٍ ‏(‏وَمِنْهُ الضَّرْبُ بِسَوْطٍ أَوْ عَصَا‏)‏ لِلْحَدِيثِ الْمَارِّ، لَكِنْ بِشُرُوطٍ أَنْ يَكُونَا خَفِيفَيْنِ، وَأَنْ لَا يُوَالِيَ بَيْنَ الضَّرَبَاتِ، وَأَنْ لَا يَكُونَ الضَّرْبُ فِي مَقْتَلٍ أَوْ الْمَضْرُوبُ صَغِيرًا أَوْ ضَعِيفًا، وَأَنْ لَا يَكُونَ حَرٌّ أَوْ بَرْدٌ مُعِينٌ عَلَى الْهَلَاكِ، وَأَنْ لَا يَشْتَدَّ الْأَلَمُ وَيَبْقَى إلَى الْمَوْتِ‏.‏ فَإِنْ كَانَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ عَمْدٌ، لِأَنَّهُ يَقْتُلُ غَالِبًا كَمَا فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ، وَمِثْلُ الْعَصَا الْمَذْكُورَةِ الْحَجَرُ الْخَفِيفُ وَكَفٌّ مَقْبُوضَةُ الْأَصَابِعِ لِمَنْ يَحْمِلُ الضَّرْبَ بِذَلِكَ وَاحْتُمِلَ مَوْتُهُ بِهِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

يَرِدُ عَلَى طَرْدِهِ التَّعْزِيرَ وَنَحْوَهُ، فَإِنَّهُ قَصْدُ الْفِعْلِ وَالشَّخْصِ بِمَا لَا يَقْتُلُ غَالِبًا، وَلَيْسَ بِشِبْهِ عَمْدٍ بَلْ خَطَأٌ وَعَلَى عَكْسِهِ مَا لَوْ قَالَ الشَّاهِدَانِ الرَّاجِعَانِ‏:‏ لَمْ نَعْلَمْ أَنَّهُ يَقْتُلْ بِقَوْلِنَا وَكَانَ مِمَّنْ يَخْفَى عَلَيْهِمَا ذَلِكَ، فَحُكْمُهُ حُكْمُ شِبْهِ الْعَمْدِ مَعَ وُجُودِ قَصْدِ الشَّخْصِ وَالْفِعْلِ بِمَا يَقْتُلُ غَالِبًا‏.‏

المتن‏:‏

فَلَوْ غَرَزَ إبْرَةً بِمَقْتَلٍ فَعَمْدٌ وَكَذَا بِغَيْرِهِ إنْ تَوَرَّمَ وَتَأَلَّمَ حَتَّى مَاتَ، فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ أَثَرٌ وَمَاتَ فِي الْحَالِ فَشِبْهُ عَمْدٍ، وَقِيلَ عَمْدٌ، وَقِيلَ لَا شَيْءَ، وَلَوْ غَرَزَ فِيمَا لَا يُؤْلِمُ كَجَلْدَةِ عَقِبٍ فَلَا شَيْءَ بِحَالٍ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏فَلَوْ غَرَزَ إبْرَةً بِمَقْتَلٍ‏)‏ بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّةِ‏:‏ وَاحِدُ الْمَقَاتِلِ وَهِيَ الْمَوَاضِعُ الَّتِي إذَا أُصِيبَتْ قَتَلَتْ كَعَيْنٍ وَدِمَاغٍ وَأَصْلِ أُذُنٍ وَحَلْقٍ وَثُغْرَةِ نَحْرٍ وَخَاصِرَةٍ وَأَخْدَعَ بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَهُوَ عِرْقُ الْعُنُقِ وَإِحْلِيلٍ وَأُنْثَيَيْنِ، وَمَثَانَةٍ بِالْمُثَلَّثَةِ بَعْدَ الْمِيمِ‏:‏ مُسْتَقَرُّ الْبَوْلِ مِنْ الْآدَمِيِّ، وَعِجَانٍ وَهُوَ بِكَسْرِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ مَا بَيْنَ الْخُصْيَةِ وَالدُّبُرِ وَيُسَمَّى الْعَضْرَطَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ فَمَاتَ بِهِ وَلَوْ بِلَا تَوَرُّمٍ ‏(‏فَعَمْدٌ‏)‏ ذَلِكَ الْغَرْزُ لِخَطَرِ الْمَوَاضِعِ وَشِدَّةِ تَأْثِيرِهِ ‏(‏وَكَذَا‏)‏ لَوْ غَرَزَ إبْرَةً ‏(‏بِغَيْرِهِ‏)‏ أَيْ الْمَقْتَلِ كَفَخِذٍ وَإِلَيْهِ ‏(‏إنْ تَوَرَّمَ وَتَأَلَّمَ‏)‏ أَيْ اجْتَمَعَ الْأَمْرَانِ وَاسْتَمَرَّا ‏(‏حَتَّى مَاتَ‏)‏ فَعَمْدٌ لِحُصُولِ الْهَلَاكِ بِهِ، وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ لَا قِصَاصَ فِي الْأَلَمِ بِلَا وَرَمٍ، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ الْأَصَحُّ كَمَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ الْوَسِيطِ الْوُجُوبُ، وَأَمَّا الْوَرَمُ بِلَا أَلَمٍ فَقَدْ لَا يُتَصَوَّرُ، وَلِهَذَا قَالَ الرَّافِعِيُّ‏:‏ لَوْ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ الْغَزَالِيُّ لَمْ يَضُرَّ؛ لِأَنَّ الْوَرَمَ لَا يَخْلُو عَنْ الْأَلَمِ ‏(‏فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ‏)‏ لِلْغَرْزِ ‏(‏أَثَرٌ‏)‏ بِأَنْ لَمْ يَشْتَدَّ الْأَلَمُ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِأَنْ لَا يُوجَدَ أَلَمٌ أَصْلًا، فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ أَلَمٍ مَا ‏(‏وَمَاتَ فِي الْحَالِ فَشِبْهُ عَمْدٍ‏)‏ فِي الْأَصَحِّ لِأَنَّهُ لَا يَقْتُلُ غَالِبًا فَأَشْبَهَ الضَّرْبَ بِالسَّوْطِ الْخَفِيفِ ‏(‏وَقِيلَ‏)‏‏:‏ هُوَ ‏(‏عَمْدٌ‏)‏ لِأَنَّ فِي الْبَدَنِ مَقَاتِلُ خَفِيَّةٌ وَمَوْتُهُ حَالًا يُشْعِرُ بِإِصَابَةِ بَعْضِهَا ‏(‏وَقِيلَ لَا شَيْءَ‏)‏ أَيْ لَا قِصَاصَ وَلَا دِيَةَ إحَالَةً لِلْمَوْتِ عَلَى سَبَبٍ آخَرَ، أَمَّا إذَا تَأَخَّرَ الْمَوْتُ عَنْ الْغَرْزِ فَلَا ضَمَانَ قَطْعًا كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

مَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّفْصِيلِ بَيْنَ الْمَقْتَلِ وَغَيْرِهِ إنَّمَا هُوَ فِي حَقِّ الْمُعْتَدِلِ‏.‏ أَمَّا إذَا غَرَزَ فِي بَدَنِ صَغِيرٍ أَوْ شَيْخٍ هَرَمٍ أَوْ نِضْوِ الْخِلْقَةِ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَ فَإِنَّهُ يَجِبُ الْقِصَاصُ كَمَا نَقَلَاهُ عَنْ الرَّقْمِ لِلْعَبَّادِيِّ وَأَقَرَّاهُ ‏(‏وَلَوْ غَرَزَ‏)‏ هَا ‏(‏فِيمَا لَا يُؤْلِمُ كَجَلْدَةِ عَقِبٍ‏)‏ وَلَمْ يُبَالِغْ فِي إدْخَالِهَا فَمَاتَ ‏(‏فَلَا شَيْءَ‏)‏ فِي غَرْزِهَا ‏(‏بِحَالٍ‏)‏ أَيْ سَوَاءٌ أَمَاتَ فِي الْحَالِ أَمْ بَعْدَهُ لِلْعِلْمِ بِأَنَّهُ لَمْ يَمُتْ مِنْهُ، وَإِنَّمَا هُوَ مُوَافَقَةُ قَدَرٍ، كَمَا لَوْ أَلْقَى عَلَيْهِ خِرْقَةً أَوْ ضَرَبَهُ بِقَلَمٍ فَمَاتَ‏.‏ أَمَّا إذَا بَالَغَ فَيَجِبُ الْقَوَدُ قَطْعًا كَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ حَبَسَهُ وَمَنَعَهُ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ وَالطَّلَبَ حَتَّى مَاتَ، فَإِنْ مَضَتْ مُدَّةٌ يَمُوتُ مِثْلُهُ فِيهَا غَالِبًا جُوعًا أَوْ عَطَشًا فَعَمْدٌ وَإِلَّا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ جُوعٌ وَعَطَشٌ سَابِقٌ فَشِبْهُ عَمْدٍ وَإِنْ كَانَ بَعْضُ جُوعٍ وَعَطَشٍ، وَعَلِمَ الْحَابِسُ الْحَالَ فَعَمْدٌ، وَإِلَّا فَلَا فِي الْأَظْهَرِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَوْ حَبَسَهُ وَمَنَعَهُ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ‏)‏ أَوْ أَحَدَهُمَا ‏(‏وَ‏)‏ مَنَعَهُ أَيْضًا ‏(‏الطَّلَبَ‏)‏ لِذَلِكَ ‏(‏حَتَّى مَاتَ‏)‏ بِسَبَبِ الْمَنْعِ ‏(‏فَإِنْ مَضَتْ‏)‏ عَلَيْهِ ‏(‏مُدَّةٌ يَمُوتُ مِثْلُهُ‏)‏ أَيْ الْمَحْبُوسِ ‏(‏فِيهَا غَالِبًا جُوعًا أَوْ عَطَشًا فَعَمْدٌ‏)‏ لِظُهُورِ قَصْدِ الْإِهْلَاكِ بِهِ، وَتَخْتَلِفُ الْمُدَّةُ بِاخْتِلَافِ حَالِ الْمَحْبُوسِ قُوَّةً وَضَعْفًا، وَالزَّمَانِ حَرًّا وَبَرْدًا، لِأَنَّ فَقْدَ الْمَاءِ فِي الْحَرِّ لَيْسَ كَفَقْدِهِ فِي الْبَرْدِ، وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ مَنَعَهُ عَمَّا إذَا كَانَ ذَلِكَ عِنْدَهُ وَأَمْكَنَهُ تَنَاوُلُهُ فَلَمْ يَتَنَاوَلْهُ خَوْفًا أَوْ حُزْنًا، أَوْ أَمْكَنَهُ طَلَبُهُ وَلَوْ بِالسُّؤَالِ فَلَمْ يَفْعَلْ أَوْ مَنَعَهُ الشَّرَابَ فَتَرَكَ الْأَكْلَ خَوْفَ الْعَطَشِ، أَوْ انْهَدَمَ السَّقْفُ عَلَيْهِ، أَوْ أَمْكَنَهُ الْهَرَبُ كَمَا قَالَهُ الْفُورَانِيُّ مِنْ غَيْرِ مُخَاطَرَةٍ فَمَاتَ بِذَلِكَ فَلَا قِصَاصَ وَلَا دِيَةَ عَلَى حَابِسِهِ، لِأَنَّهُ قَتَلَ نَفْسَهُ، وَمَنْعُ الدِّفَاءَ فِي الْبَرْدِ كَمَنْعِ الْأَكْلِ فِيمَا ذُكِرَ، وَلَوْ قَتَلَهُ بِالدُّخَانِ بِأَنْ حَبَسَهُ فِي بَيْتٍ وَسَدَّ مَنَافِذَهُ فَاجْتَمَعَ عَلَيْهِ الدُّخَانُ فَضَاقَ نَفَسُهُ فَمَاتَ وَجَبَ الْقَوَدُ كَمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي، وَكَذَا لَوْ مَنَعَ مَنْ افْتَصَدَ مِنْ شَدِّ فَصَادِهِ حَتَّى مَاتَ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْغَزَالِيُّ

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَوْلُهُ‏:‏ حَبَسَهُ يُفْهِمُ أَنَّهُ لَوْ مَنَعَهُ مِنْ غَيْرِ حَبْسٍ كَمَا لَوْ أَخَذَ زَادَهُ أَوْ مَاءَهُ فِي مَفَازَةٍ، أَوْ عَرَّاهُ فَمَاتَ جُوعًا أَوْ عَطَشًا أَوْ بَرْدًا أَنَّهُ لَا ضَمَانَ وَهُوَ كَذَلِكَ، لِأَنَّهُ لَمْ يُحْدِثْ فِيهِ صُنْعًا‏.‏ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ‏:‏ وَقَضِيَّةُ هَذَا التَّوْجِيهِ أَنَّهُ لَوْ أَغْلَقَ عَلَيْهِ بَيْتًا وَهُوَ جَالِسٌ فِيهِ حَتَّى مَاتَ جُوعًا لَمْ يَضْمَنْهُ وَفِيهِ نَظَرٌ ا هـ‏.‏

هَذِهِ الْقَضِيَّةُ مَمْنُوعَةٌ، لِأَنَّهُ فِي أَخْذِ الطَّعَامِ مِنْهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ أَخْذِ شَيْءٍ بِخِلَافِهِ فِي الْحَبْسِ، بَلْ هَذِهِ دَاخِلَةٌ فِي كَلَامِ الْأَصْحَابِ، ثُمَّ قَالَ‏:‏ وَهَذَا فِي مَفَازَةٍ يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ مِنْهَا ‏.‏ أَمَّا إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ ذَلِكَ لِطُولِهَا أَوْ لِزَمَانَتِهِ وَلَا طَارِقِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَالْمُتَّجِهُ وُجُوبُ الْقَوَدِ كَالْمَحْبُوسِ ا هـ‏.‏

وَهُوَ بَحْثٌ قَوِيٌّ لَكِنَّهُ خِلَافُ الْمَنْقُولِ، وَهَذَا كُلُّهُ فِي الْحُرِّ‏.‏ أَمَّا الرَّقِيقُ فَيُضْمَنُ بِالْيَدِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ رَاعَاهُ بِالطَّعَامِ وَالشَّرَابِ أَمْ لَا كَمَا قَالَاهُ ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ بِأَنْ لَمْ تَمْضِ الْمُدَّةُ الْمَذْكُورَةُ وَمَاتَ الْمَحْبُوسُ ‏(‏فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ جُوعٌ وَعَطَشٌ‏)‏ ‏"‏ الْوَاوُ ‏"‏ بِمَعْنَى ‏"‏ أَوْ ‏"‏ بِدَلِيلِ إفْرَادِ الضَّمِيرِ فِي قَوْلِهِ ‏(‏سَابِقٌ‏)‏ عَلَى الْمَنْعِ ‏(‏فَشِبْهُ عَمْدٍ‏)‏ لِأَنَّهُ لَا يَقْتُلُ غَالِبًا ‏(‏وَإِنْ كَانَ‏)‏ بِهِ ‏(‏بَعْضُ جُوعٍ وَعَطَشٍ‏)‏ الْوَاوُ أَيْضًا بِمَعْنَى أَوْ ‏(‏وَعَلِمَ الْحَابِسُ الْحَالَ‏)‏ وَكَانَتْ مُدَّةُ حَبْسِهِ بِحَيْثُ لَوْ أُضِيفَتْ لِمُدَّةِ جُوعِهِ أَوْ عَطَشِهِ السَّابِقِ بَلَغَتْ الْمُدَّةُ الْقَاتِلَةَ ‏(‏فَعَمْدٌ‏)‏ لِظُهُورِ قَصْدِ الْإِهْلَاكِ‏.‏ أَمَّا إذَا لَمْ يَبْلُغْ مَجْمُوعُ الْمُدَّتَيْنِ ذَلِكَ فَهُوَ كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ بِهِ شَيْءٍ سَابِقٌ كَمَا قَالَهُ ابْنُ النَّقِيبِ وَقَالَ‏:‏ لَا بُدَّ مِنْهُ وَهُوَ مُرَادُهُمْ بِلَا شَكٍّ ا هـ‏.‏

وَتَبِعَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَهُوَ ظَاهِرٌ ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ بِأَنْ لَمْ يَعْلَمْ الْحَابِسُ الْحَالَ ‏(‏فَلَا‏)‏ أَيْ فَلَيْسَ بِعَمْدٍ بَلْ هُوَ شِبْهُ عَمْدٍ ‏(‏فِي الْأَظْهَرِ‏)‏ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ إهْلَاكَهُ، وَلَا أَتَى بِمَا هُوَ مُهْلِكٌ‏:‏ كَمَا لَوْ دَفَعَهُ دَفْعًا خَفِيفًا فَسَقَطَ عَلَى سِكِّينٍ وَرَاءَهُ وَهُوَ جَاهِلٌ فَإِنَّهُ لَا قِصَاصَ‏.‏ وَالثَّانِي هُوَ عَمْدٌ فَيَجِبُ الْقِصَاصُ لِحُصُولِ الْهَلَاكِ بِهِ‏:‏ كَمَا لَوْ ضَرَبَ الْمَرِيضَ ضَرْبًا يُهْلِكُهُ وَلَا يُهْلِكُ الصَّحِيحَ وَهُوَ جَاهِلٌ بِمَرَضِهِ‏.‏ وَأَجَابَ الْأَوَّلَ بِأَنَّ الضَّرْبَ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْمَرَضِ فَيُمْكِنُ إحَالَةُ الْهَلَاكِ عَلَيْهِ، وَالْجُوعُ مِنْ جِنْسِ الْجُوعِ، وَالْقَدْرُ الَّذِي يَتَعَلَّقُ مِنْهُ بِصِفَةٍ لَا يُمْكِنُ إحَالَةُ الْهَلَاكِ عَلَيْهِ، حَتَّى لَوْ ضَعُفَ مِنْ الْجُوعِ فَضَرَبَهُ ضَرْبًا يَقْتُلُ مِثْلَهُ وَجَبَ الْقِصَاصُ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ‏:‏ وَإِلَّا فَلَا وُجُوبَ نِصْفِ دِيَةِ شِبْهِ عَمْدٍ وَإِنْ أَوْهَمَتْ عِبَارَتُهُ وُجُوبَ دِيَةِ شِبْهِ عَمْدٍ كَامِلَةٍ لِحُصُولِ الْهَلَاكِ بِالْجَوْعَيْنِ أَوْ الْعَطَشَيْنِ وَاَلَّذِي مِنْهُ أَحَدُهُمَا‏.‏

المتن‏:‏

وَيَجِبُ الْقِصَاصُ بِالسَّبَبِ، فَلَوْ شَهِدَا بِقِصَاصٍ فَقُتِلَ ثُمَّ رَجَعَا وَقَالَا تَعَمَّدْنَا لَزِمَهُمَا الْقِصَاصُ إلَّا أَنْ يَعْتَرِفَ الْوَلِيُّ بِعِلْمِهِ بِكَذِبِهِمَا‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

وَمَسْأَلَةُ الْحَبْسِ مِنْ السَّبَبِ فَكَانَ الْأَوْلَى ذِكْرَهَا بَعْدَ قَوْلِهِ ‏(‏وَيَجِبُ الْقِصَاصُ بِالسَّبَبِ‏)‏ كَالْمُبَاشَرَةِ، لِأَنَّ مَا لَهُ دَخْلٌ مِنْ الْأَفْعَالِ فِي الزُّهُوقِ‏:‏ إمَّا مُبَاشَرَةٌ، وَهِيَ مَا يُؤَثِّرُ فِي الْهَلَاكِ وَيُحَصِّلُهُ كَالْجُرْحِ السَّابِقِ فَفِيهَا الْقِصَاصُ كَمَا مَرَّ، وَإِمَّا شَرْطٌ وَهُوَ مَا لَا يُؤَثِّرُ فِي الْهَلَاكِ وَلَا يُحَصِّلُهُ بَلْ يَحْصُلُ التَّلَفُ عِنْدَهُ بِغَيْرِهِ وَيَتَوَقَّفُ تَأْثِيرُ ذَلِكَ الْغَيْرِ عَلَيْهِ كَالْحَفْرِ مَعَ التَّرَدِّي فَإِنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ فِي التَّلَفِ وَلَا يُحَصِّلُهُ، وَإِنَّمَا يُؤَثِّرُ التَّخَطِّي فِي صَوْبِ الْحُفْرَةِ، وَالْمُحَصِّلُ لِلتَّلَفِ التَّرَدِّي فِيهَا وَمُصَادَمَتُهَا، لَكِنْ لَوْلَا الْحَفْرُ لَمَا حَصَلَ التَّلَفُ، وَلِهَذَا سُمِّيَ شَرْطًا‏.‏ وَمِثْلُهُ الْإِمْسَاكُ لِلْقَاتِلِ وَهَذَا لَا قِصَاصَ فِيهِ، وَإِمَّا سَبَبٌ وَهُوَ مَا يُؤَثِّرُ فِي الْهَلَاكِ وَلَا يُحَصِّلُهُ‏.‏ وَجْهُ الْحَصْرِ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْفَاعِلَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَقْصِدَ عَيْنَ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَوْ لَا، فَإِنْ قَصَدَهُ بِالْفِعْلِ الْمُؤَدِّي إلَى الْهَلَاكِ بِلَا وَاسِطَةٍ فَهُوَ الْمُبَاشَرَةُ، وَإِنْ أَدَّى إلَيْهِ بِوَاسِطَةٍ فَهُوَ السَّبَبُ كَالشَّهَادَةِ بِمُوجِبِ قِصَاصٍ، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ عَيْنَ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بِالْكُلِّيَّةِ فَهُوَ الشَّرْطُ‏.‏ وَالسَّبَبُ يَنْقَسِمُ إلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ‏:‏ الْأَوَّلُ شَرْعِيٌّ كَالشَّهَادَةِ وَيُقْتَصُّ مِنْ شُهُودِ الزُّورِ بِشُرُوطٍ تَأْتِي‏.‏ وَالثَّانِي عُرْفِيٌّ كَتَقْدِيمِ مَسْمُومٍ لِمَنْ يَأْكُلُهُ وَسَيَأْتِي‏.‏ وَالثَّالِثُ حِسِّيٌّ كَالْإِكْرَاهِ عَلَى الْقَتْلِ‏.‏ وَقَدْ شَرَعَ فِي الضَّرْبِ الْأَوَّلِ فَقَالَ ‏(‏فَلَوْ شَهِدَا‏)‏ أَيْ رَجُلَانِ عَلَى شَخْصٍ عِنْدَ قَاضٍ ‏(‏بِقِصَاصٍ‏)‏ أَيْ بِمُوجِبِهِ فِي نَفْسٍ أَوْ طَرَفٍ، أَوْ شَهِدَا عَلَيْهِ بِرِدَّةٍ أَوْ سَرِقَةٍ ‏(‏فَقُتِلَ‏)‏ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ، أَوْ قُطِعَ بَعْدَ حُكْمِ الْقَاضِي بِشَهَادَتِهِمَا ‏(‏ثُمَّ رَجَعَا‏)‏ عَنْهَا ‏(‏وَقَالَا تَعَمَّدْنَا‏)‏ الْكَذِبَ فِيهَا وَعَلِمْنَا أَنَّهُ يُقْتَلُ أَوْ يُقْطَعُ بِشَهَادَتِنَا ‏(‏ لَزِمَهُمَا‏)‏ حِينَئِذٍ ‏(‏الْقِصَاصُ‏)‏ لِأَنَّهُمَا تَسَبَّبَا فِي إهْلَاكِهِ بِمَا يَقْتُلُ غَالِبًا فَأَشْبَهَ ذَلِكَ الْإِكْرَاهَ الْحِسِّيَّ‏.‏ قَالَ الْإِمَامُ‏:‏ بَلْ أَبْلَغُ مِنْ الْإِكْرَاهِ، لِأَنَّ الْمُكْرَهَ قَدْ يُؤْثِرُ هَلَاكَ نَفْسِهِ عَلَى سَفْكِ دَمٍ مُحَرَّمٍ، وَالْقَاضِي لَا مَحِيصَ لَهُ عَنْ الْحُكْمِ بِشَهَادَتِهَا‏.‏ أَمَّا إذَا قَالَا لَا نَعْلَمُ أَنَّهُ يُقْتَلُ بِشَهَادَتِنَا فَإِنَّهُ يُنْظَرُ إنْ كَانَا مِمَّنْ يَخْفَى عَلَيْهِمَا ذَلِكَ لِقُرْبِ عَهْدِهِمَا بِالْإِسْلَامِ، أَوْ بُعْدِهِمَا عَنْ الْعُلَمَاءِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِمَا الْقِصَاصُ بَلْ دِيَةُ شِبْهِ عَمْدٍ كَمَا ذَكَرَاهُ فِي بَابِ الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ‏.‏ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ‏:‏ وَكَذَا لَوْ قَالَا لَمْ نَعْلَمْ أَنَّهُ يُقْتَلُ بِشَهَادَتِنَا لِظُهُورِ أُمُورٍ فِينَا تَقْتَضِي رَدَّهَا، وَلَكِنَّ الْحَاكِمَ قَصَّرَ فَتَجِبُ دِيَةُ شِبْهِ عَمْدٍ‏.‏ قَالَ‏:‏ وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ‏.‏ ا هـ‏.‏

وَإِنْ لَمْ يَخَفْ عَلَيْهِمَا ذَلِكَ فَلَا اعْتِبَارَ بِقَوْلِهِمَا كَمَنْ رَمَى سَهْمًا إلَى شَخْصٍ وَاعْتَرَفَ بِأَنَّهُ قَصَدَهُ، وَلَكِنَّهُ قَالَ‏:‏ لَمْ أَعْلَمْ أَنَّهُ يَبْلُغُهُ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَدْ يَرِدُ عَلَى مَفْهُومِ قَوْلِهِ‏:‏ تَعَمَّدْنَا مَا لَوْ قَالَ كُلٌّ مِنْهُمَا تَعَمَّدْتُ وَلَا أَعْلَمُ حَالَ صَاحِبِي، وَكَذَا لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى تَعَمَّدْتُ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُمَا الْقِصَاصُ‏.‏ وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُقْتَضِي لِوُجُوبِ الْقِصَاصِ عَلَيْهِمَا هُوَ رُجُوعُهُمَا مَعَ اعْتِرَافِهِمَا بِالتَّعَمُّدِ لَا كَذِبُهُمَا حَتَّى لَوْ تَيَقَّنَّا كَذِبَهُمَا بِأَنْ شَاهَدْنَا الْمَشْهُودَ بِقَتْلِهِ حَيًّا فَلَا قِصَاصَ لِجَوَازِ أَنَّهُمَا لَمْ يَتَعَمَّدَا وَلَوْ رَجَعَ أَحَدُهُمَا فَقَطْ، فَإِنْ قَالَ تَعَمَّدْتُ أَنَا وَصَاحِبِي فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ وَإِلَّا فَلَا‏.‏ ثُمَّ اسْتَثْنَى مِنْ وُجُوبِ الْقِصَاصِ عَلَى الشَّاهِدَيْنِ قَوْلَهُ ‏(‏إلَّا أَنْ يَعْتَرِفَ الْوَلِيُّ‏)‏ أَيْ وَلِيُّ الْمَقْتُولِ ‏(‏بِعِلْمِهِ بِكَذِبِهِمَا‏)‏ فِي شَهَادَتِهِمَا حِينَ الْقَتْلِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ فَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِمَا حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَلْجَئَا إلَى قَتْلِهِ حِسًّا وَلَا شَرْعًا، فَصَارَ قَوْلُهُمَا شَرْطًا مَحْضًا كَالْمِسْكِ مَعَ الْقَاتِلِ فَيَجِبُ عَلَى الْوَلِيِّ الْقِصَاصُ‏.‏ أَمَّا لَوْ قَالَ الْوَلِيُّ‏:‏ عَرَفْت كَذِبَهُمَا بَعْدَ الْقَتْلِ فَلَا يَسْقُطُ الْقِصَاصُ عَنْهُمَا‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

هَذَا إذَا تَمَحَّضَ الْقِصَاصُ فَلَوْ شَهِدَا عَلَى قَاطِعِ الطَّرِيقِ ثُمَّ رَجَعَا لَمْ يَسْقُطْ الْقِصَاصُ عَنْهُمَا بِاعْتِرَافِ الْوَلِيِّ بِكَذِبِهِمَا، لِأَنَّ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى بَاقٍ، وَخَرَجَ بِوَلِيِّ الْمَقْتُولِ وَلِيُّ الْقَاتِلِ، فَإِنَّهُ إذَا قَالَ‏:‏ أَنَا أَعْلَمُ كَذِبَهُمَا فِي رُجُوعِهِمَا وَأَنَّ مُوَرِّثِي قَتَلَهُ فَلَا قِصَاصَ عَلَى أَحَدِهِمَا‏.‏ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ‏:‏ وَهَذَا وَاضِحٌ، وَقَدْ يَرِدُ عَلَى حَصْرِهِ مَا لَوْ اعْتَرَفَ الْقَاضِي بِعِلْمِهِ بِكَذِبِهِمَا حِينَ الْحُكْمِ أَوْ الْقَتْلِ دُونَ الْوَلِيِّ فَالْقِصَاصُ عَلَيْهِ دُونَ الشُّهُودِ، وَسَيَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ رُجُوعَ الشُّهُودِ آخِرَ كِتَابِ الشَّهَادَاتِ بِأَبْسَطَ مِمَّا هُنَا، وَخَرَجَ بِالشَّاهِدِ الرَّاوِي‏:‏ كَمَا لَوْ أَشْكَلَتْ حَادِثَةٌ عَلَى قَاضٍ فَرَوَى لَهُ فِيهَا إنْسَانٌ خَبَرًا فَقَتَلَ الْحَاكِمُ بِهِ شَخْصًا ثُمَّ رَجَعَ الرَّاوِي وَقَالَ‏:‏ تَعَمَّدْتُ الْكَذِبَ فَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِ كَمَا نَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا قُبَيْلَ الدِّيَاتِ عَنْ الْإِمَامِ وَغَيْرِهِ خِلَافًا لِلْبَغَوِيِّ فِي فَتَاوِيهِ، وَقِيَاسُهُ مَا لَوْ اسْتَفْتَى الْقَاضِي شَخْصًا فَأَفْتَاهُ بِالْقَتْلِ ثُمَّ رَجَعَ كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ ضَيَّفَ بِمَسْمُومٍ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا فَمَاتَ وَجَبَ الْقِصَاصُ، أَوْ بَالِغًا عَاقِلًا وَلَمْ يَعْلَمْ حَالَ الطَّعَامِ فَدِيَةٌ، وَفِي قَوْلٍ قِصَاصٌ، وَفِي قَوْلٍ لَا شَيْءَ، وَلَوْ دَسَّ سُمًّا فِي طَعَامِ شَخْصٍ الْغَالِبُ أَكْلُهُ مِنْهُ فَأَكَلَهُ جَاهِلًا فَعَلَى الْأَقْوَالِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

ثُمَّ شَرَعَ فِي الضَّرْبِ الثَّانِي، وَهُوَ السَّبَبُ الْعُرْفِيُّ فَقَالَ ‏(‏وَلَوْ ضَيَّفَ بِمَسْمُومٍ‏)‏ يَقْتُلُ غَالِبًا، أَوْ نَاوَلَهُ ‏(‏صَبِيًّا‏)‏ غَيْرَ مُمَيِّزٍ كَمَا قَيَّدَهُ بِهِ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ، وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ النَّصِّ ‏(‏أَوْ مَجْنُونًا‏)‏ فَأَكَلَهُ ‏(‏فَمَاتَ‏)‏ مِنْهُ ‏(‏وَجَبَ الْقِصَاصُ‏)‏ لِأَنَّهُ أَلْجَأَهُ إلَى ذَلِكَ سَوَاءٌ أَقَالَ لَهُ هُوَ مَسْمُومٌ أَمْ لَا، وَفِي مَعْنَاهُمَا الْأَعْجَمِيُّ الَّذِي يَعْتَقِدُ وُجُوبَ طَاعَةِ أَمْرِهِ‏.‏ وَأَمَّا الْمُمَيِّزُ فَكَالْبَالِغِ، وَكَذَا الْمَجْنُونُ الَّذِي لَهُ تَمْيِيزٌ كَمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ ‏(‏أَوْ‏)‏ ضَيَّفَ بِهِ ‏(‏بَالِغًا عَاقِلًا وَلَمْ يَعْلَمْ‏)‏ الضَّيْفُ ‏(‏حَالَ الطَّعَامِ‏)‏ ‏(‏فَدِيَةٌ‏)‏ وَلَا قِصَاصَ لِأَنَّهُ تَنَاوَلَهُ بِاخْتِيَارِهِ مِنْ غَيْرِ إلْجَاءٍ ‏(‏وَفِي قَوْلٍ قِصَاصٌ‏)‏ وَرَجَّحَهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ، وَاسْتَدَلَّ لَهُ الْمُتَوَلِّي بِقَتْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْيَهُودِيَّةَ الَّتِي سَمَّتْ لَهُ الشَّاةَ بِخَيْبَرَ لَمَّا مَاتَ بِشْرُ بْنُ الْبَرَاءِ بْنِ مَعْرُورٍ‏.‏ قَالَ فِي الْبَحْرِ‏:‏ وَالِاسْتِدْلَالُ بِذَلِكَ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُقَدِّمْ الشَّاةَ إلَى الْأَضْيَافِ، بَلْ بَعَثَتْهَا إلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ أَضَافَ أَصْحَابَهُ، وَمَا هَذَا سَبِيلُهُ لَا يَلْزَمُهُ قِصَاصٌ، وَلَا يُنَافِي الْأَوَّلُ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَفَا عَنْهَا، لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي الِابْتِدَاءِ، فَلَمَّا مَاتَ بِشْرٌ أَمَرَ بِقَتْلِهَا ‏(‏وَفِي قَوْلٍ لَا شَيْءَ‏)‏ مِنْ قِصَاصٍ أَوْ دِيَةٍ تَغْلِيبًا لِلْمُبَاشَرَةِ عَلَى السَّبَبِ‏.‏ أَمَّا إذَا عَلِمَ الضَّيْفُ حَالَ الطَّعَامِ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُضَيِّفِ جَزْمًا؛ لِأَنَّهُ الْمُهْلِكُ نَفْسَهُ ‏(‏وَلَوْ دَسَّ سُمًّا‏)‏ بِتَثْلِيثِ السِّينِ وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ، وَهُوَ شَيْءٌ يُضَادُّ الْقُوَّةَ الْحَيَوَانِيَّةَ ‏(‏فِي طَعَامِ شَخْصٍ الْغَالِبُ أَكْلُهُ مِنْهُ فَأَكَلَهُ جَاهِلًا‏)‏ بِالْحَالِ فَمَاتَ ‏(‏فَعَلَى الْأَقْوَالِ‏)‏ فِي الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا‏.‏ وَجْهُ الثَّانِي التَّسَبُّبُ، وَالْأَوَّلُ قَالَ يَكْفِي فِيهِ الدِّيَةُ، وَعَلَى الثَّلَاثَةِ يَجِبُ لَهُ قِيمَةُ الطَّعَامِ لِأَنَّ الدَّاسَّ أَتْلَفَهُ عَلَيْهِ، وَمِثْلُ الطَّعَامِ فِي ذَلِكَ مَاءٌ عَلَى طَرِيقِ شَخْصٍ مُعَيَّنٍ وَالْغَالِبُ شُرْبُهُ مِنْهُ، وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ‏:‏ فِي طَعَامِ شَخْصٍ عَمَّا إذَا دَسَّهُ فِي طَعَامِ نَفْسِهِ فَأَكَلَ مِنْهُ شَخْصٌ عَادَتُهُ الدُّخُولُ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ هَدَرٌ، وَقَوْلُهُ‏:‏ الْغَالِبُ أَكْلُهُ مِنْهُ زِيَادَةٌ عَلَى الْمُحَرَّرِ، وَهِيَ فِي الشَّرْحَيْنِ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهَا الْأَكْثَرُونَ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ أَكْلُهُ مِنْهُ نَادِرًا يَكُونُ هَدَرًا، وَجَرَى عَلَى ذَلِكَ جَمْعٌ مِنْ الشُّرَّاحِ، وَلَيْسَ مُرَادًا وَإِنَّمَا هُوَ لِأَجْلِ الْخِلَافِ حَتَّى يَأْتِيَ الْقَوْلُ بِالْقِصَاصِ، وَإِلَّا فَالْوَاجِبُ دِيَةُ شِبْهِ الْعَمْدِ مُطْلَقًا، نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ شَيْخِي فَتَنَبَّهْ لَهُ فَإِنَّهُ يَغْفُلُ عَنْهُ كَثِيرٌ مِنْ الطَّلَبَةِ‏.‏ فُرُوعٌ‏:‏ لَوْ قَالَ لِعَاقِلٍ‏:‏ كُلْ هَذَا الطَّعَامَ وَفِيهِ سُمٌّ فَأَكَلَهُ فَمَاتَ فَلَا قِصَاصَ وَلَا دِيَةَ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ، وَجَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ، وَلَوْ ادَّعَى الْقَاتِلُ الْجَهْلَ بِكَوْنِهِ سُمًّا فَقَوْلَانِ‏.‏ وَالْأَوْجَهُ مَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي أَنَّهُ إنْ كَانَ مِمَّنْ يَخْفَى عَلَيْهِ ذَلِكَ صُدِّقَ وَإِلَّا فَلَا، فَإِنْ ادَّعَى الْجَهْلَ بِكَوْنِهِ قَاتِلًا فَالْقِصَاصُ، وَلَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِأَنَّ السُّمَّ الَّذِي أَوْجَرَهُ يَقْتُلُ غَالِبًا وَقَدْ ادَّعَى أَنَّهُ لَا يَقْتُلُ غَالِبًا وَجَبَ الْقِصَاصُ، فَإِنْ لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ بِذَلِكَ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ، وَلَوْ أَوْجَرَ شَخْصًا سُمًّا لَا يَقْتُلُ غَالِبًا فَشِبْهُ عَمْدٍ، أَوْ يَقْتُلُ مِثْلُهُ غَالِبًا فَالْقِصَاصُ، وَكَذَا إكْرَاهُ جَاهِلٍ عَلَيْهِ لَا عَالِمٍ، وَكَلَامُ أَصْلِ الرَّوْضَةِ هُنَا مَحْمُولٌ عَلَى هَذَا بِقَرِينَةِ ذِكْرِهِ لَهُ فِي الْكَلَامِ عَلَى إكْرَاهِهِ عَلَى قَتْلِ نَفْسِهِ، وَلَا يَجِبُ عَلَى الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ مُعَالَجَةُ الْجِنَايَةِ بِمَا يَدْفَعُهَا‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ تَرَكَ الْمَجْرُوحُ عِلَاجَ جُرْحٍ مُهْلِكٍ فَمَاتَ وَجَبَ الْقِصَاصُ، وَلَوْ أَلْقَاهُ فِي مَاءٍ لَا يُعَدُّ مُغَرِّقًا كَمُنْبَسِطٍ فَمَكَثَ فِيهِ مُضْطَجِعًا حَتَّى هَلَكَ فَهَدَرٌ، أَوْ مُغْرِقٍ لَا يَخْلُصُ مِنْهُ إلَّا بِسِبَاحَةٍ، فَإِنْ لَمْ يُحْسِنْهَا أَوْ كَانَ مَكْتُوفًا أَوْ زَمِنًا فَعَمْدٌ، وَإِنْ مَنَعَ عَارِضٌ كَرِيحٍ وَمَوْجٍ فَشِبْهُ عَمْدٍ، وَإِنْ أَمْكَنَتْهُ فَتَرَكَهَا فَلَا دِيَةَ فِي الْأَظْهَرِ، أَوْ فِي نَارٍ يُمْكِنُ الْخَلَاصُ مِنْهَا فَمَكَثَ فِيهَا فَفِي الدِّيَةِ الْقَوْلَانِ، وَلَا قِصَاصَ فِي الصُّورَتَيْنِ، وَفِي النَّارِ وَجْهٌ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَ‏)‏ حِينَئِذٍ ‏(‏لَوْ تَرَكَ الْمَجْرُوحُ عِلَاجَ جُرْحٍ مُهْلِكٍ‏)‏ لَهُ ‏(‏فَمَاتَ‏)‏ مِنْهُ ‏(‏وَجَبَ الْقِصَاصُ‏)‏ جَزْمًا عَلَى الْجَارِحِ؛ لِأَنَّ الْبُرْءَ غَيْرُ مَوْثُوقٍ بِهِ لَوْ عُولِجَ، وَالْجِرَاحَةُ فِي نَفْسِهَا مُهْلِكَةٌ‏.‏ أَمَّا مَا لَا يُهْلِكُ كَأَنْ فَصَدَهُ فَلَمْ يَعْصِبْ الْعِرْقَ حَتَّى مَاتَ فَإِنَّهُ لَا ضَمَانَ لِأَنَّهُ الَّذِي قَتَلَ نَفْسَهُ كَمَا لَوْ حَبَسَهُ وَعِنْدَهُ مَا يَأْكُلُ فَلَمْ يَفْعَلْ ‏(‏وَلَوْ أَلْقَاهُ فِي مَاءٍ‏)‏ رَاكِدٍ أَوْ جَارٍ ‏(‏لَا يُعَدُّ مُغَرِّقًا‏)‏ بِسُكُونِ الْغَيْنِ وَبِفَتْحِهَا وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ ‏(‏كَمُنْبَسِطٍ فَمَكَثَ فِيهِ مُضْطَجِعًا‏)‏ أَوْ جَالِسًا أَوْ مُسْتَلْقِيًا ‏(‏حَتَّى هَلَكَ فَهَدَرٌ‏)‏ لَا قِصَاصَ فِيهِ وَلَا دِيَةَ، لِأَنَّهُ الْمُهْلِكُ نَفْسَهُ، فَإِنْ أَلْقَاهُ فِي الْمَاءِ الْمَذْكُورِ مَكْتُوفًا بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُهُ التَّخَلُّصُ فَمَاتَ وَجَبَ الْقِصَاصُ ‏(‏أَوْ‏)‏ أَلْقَى رَجُلًا أَوْ صَبِيًّا مُمَيِّزًا فِي مَاءٍ ‏(‏مُغْرِقٍ‏)‏ كَنَهْرٍ ‏(‏لَا يَخْلُصُ مِنْهُ إلَّا بِسِبَاحَةٍ‏)‏ بِكَسْرِ السِّينِ مَصْدَرُ سَبَحَ فِي الْمَاءِ‏:‏ عَامَ ‏(‏فَإِنْ لَمْ يُحْسِنْهَا أَوْ كَانَ‏)‏ مَعَ إحْسَانِهَا ‏(‏مَكْتُوفًا أَوْ زَمِنًا‏)‏ أَوْ ضَعِيفًا فَهَلَكَ بِذَلِكَ ‏(‏فَعَمْدٌ‏)‏ فِيهِ قِصَاصٌ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

أَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّ الْمَاءَ الَّذِي لَا يُتَوَقَّعُ الْخَلَاصُ مِنْهُ بِالسِّبَاحَةِ كَلُجَّةِ بَحْرٍ أَنَّهُ يَجِبُ فِيهِ الْقِصَاصُ، سَوَاءً أَكَانَ يُحْسِنُ السِّبَاحَةَ أَمْ لَا، وَهُوَ كَذَلِكَ ‏(‏وَإِنْ‏)‏ أَمْكَنَهُ التَّخَلُّصَ بِسِبَاحَةٍ مَثَلًا، وَلَكِنْ ‏(‏مَنَعَ مِنْهَا عَارِضٌ، كَرِيحٍ وَمَوْجٍ‏)‏ فَهَلَكَ بِسَبَبِ ذَلِكَ ‏(‏فَشِبْهُ عَمْدٍ‏)‏ تَجِبُ دِيَتُهُ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

تَعْبِيرُهُ يَقْتَضِي التَّصْوِيرَ بِطُرُوِّ الْعَارِضِ، وَهُوَ يُفْهِمُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَوْجُودًا عِنْدَ الْإِلْقَاءِ يَجِبُ الْقَوَدُ، وَهُوَ كَذَلِكَ فَهُوَ كَمَنْ لَا يُحْسِنُ السِّبَاحَةَ ‏(‏وَإِنْ أَمْكَنَتْهُ‏)‏ سِبَاحَةٌ أَوْ غَيْرُهَا كَتَعَلُّقٍ بِزَوْرَقٍ ‏(‏فَتَرَكَهَا‏)‏ بِاخْتِيَارِهِ كَأَنْ تَرَكَهَا حُزْنًا أَوْ لَجَاجًا ‏(‏فَلَا دِيَةَ فِي الْأَظْهَرِ‏)‏ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَعَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا بِقَوْلِ وَجْهَانِ أَوْ قَوْلَانِ لِأَنَّهُ الْمُهْلِكُ نَفْسَهُ بِإِعْرَاضِهِ عَمَّا يُنْجِيهِ، وَالثَّانِي تَجِبُ لِأَنَّهُ قَدْ يَمْنَعُهُ مِنْ السِّبَاحَةِ دَهْشَةٌ أَوْ عَارِضٌ بَاطِنِيٌّ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

لَوْ شَكَّ فِي إمْكَانِ تَخَلُّصِهِ بِأَنْ قَالَ الْمُلْقِي‏:‏ كَانَ يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ مِمَّا أَلْقَيْتُهُ فِيهِ فَقَصَّرَ، وَقَالَ الْوَلِيُّ‏:‏ لَمْ يُمْكِنْهُ صُدِّقَ الْوَلِيُّ بِيَمِينِهِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَوْ أَمْكَنَهُ الْخُرُوجُ لَخَرَجَ‏.‏

فَرْعٌ‏:‏

لَوْ رَبَطَهُ وَطَرَحَهُ عِنْدَ مَاءٍ يَزِيدُ إلَيْهِ غَالِبًا كَالْمَدِّ بِالْبَصْرَةِ فَزَادَ وَمَاتَ بِهِ فَعَمْدٌ، أَوْ قَدْ يَزِيدُ وَقَدْ لَا يَزِيدُ فَزَادَ وَمَاتَ بِهِ فَشِبْهُ عَمْدٍ أَوْ بِحَيْثُ لَا يَتَوَقَّعُ زِيَادَةً فَاتَّفَقَ سَيْلٌ نَادِرٌ فَخَطَأٌ ‏(‏أَوْ‏)‏ أَلْقَاهُ ‏(‏فِي نَارٍ يُمْكِنُ‏)‏ مَعَهَا ‏(‏الْخَلَاصُ مِنْهَا فَمَكَثَ فِيهَا‏)‏ حَتَّى مَاتَ ‏(‏فَفِي الدِّيَةِ الْقَوْلَانِ‏)‏ فِي الْمَاءِ، وَالْأَظْهَرُ عَدَمُ الْوُجُوبِ كَمَا مَرَّ، وَيُعْرَفُ الْإِمْكَانُ بِقَوْلِهِ‏:‏ أَوْ بِكَوْنِهِ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ وَإِلَى جَانِبِهِ أَرْضٌ لَا نَارَ عَلَيْهَا، فَإِنْ اخْتَلَفَ الْمُلْقِي وَالْوَلِيُّ فِي إمْكَانِ تَخَلُّصِهِ صُدِّقَ الْوَلِيُّ كَمَا مَرَّ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَوْ أَمْكَنَهُ الْخُرُوجُ لَخَرَجَ، وَقِيلَ‏:‏ الْمُلْقِي لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ ‏(‏وَلَا قِصَاصَ فِي الصُّورَتَيْنِ‏)‏ وَهُمَا الْإِلْقَاءُ فِي الْمَاءِ وَالْإِلْقَاءِ فِي النَّارِ لِأَنَّهُ الَّذِي قَتَلَ نَفْسَهُ ‏(‏وَفِي‏)‏ الْإِلْقَاءِ فِي ‏(‏النَّارِ وَجْهٌ‏)‏ بِوُجُوبِ الْقِصَاصِ بِخِلَافِ الْمَاءِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ النَّارَ تَحْرُقُ بِأَوَّلِ مُلَاقَاتِهَا وَتُؤَثِّرُ قُرُوحَاتٍ قَاتِلَةً، بِخِلَافِ الْمَاءِ عَلَى أَنَّ فِي الْمَاءِ وَجْهًا أَيْضًا فِي الرَّوْضَةِ، فَلَا مَفْهُومَ لِتَقْيِيدِ الْمَتْنِ، وَعَلَى عَدَمِ الْقِصَاصِ يَجِبُ عَلَى الْمُلْقِي أَرْشُ مَا أَثَّرَتْ النَّارُ فِيهِ مِنْ حِينِ الْإِلْقَاءِ إلَى الْخُرُوجِ عَلَى النَّصِّ، سَوَاءٌ أَكَانَ أَرْشَ عُضْوٍ أَمْ حُكُومَةً، فَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ قَدْرٌ لِذَلِكَ لَمْ يَجِبْ إلَّا التَّعْزِيرُ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْأَصْحَابِ، وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ‏:‏ يُمْكِنُهُ الْخَلَاصُ عَمَّا إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ لِعِظَمِهَا أَوْ لِكَوْنِهَا فِي وَهْدَةٍ أَوْ كَوْنِهِ مَكْتُوفًا أَوْ زَمِنًا أَوْ صَغِيرًا أَوْ ضَعِيفًا فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

إذَا اجْتَمَعَتْ الْمُبَاشَرَةُ مَعَ السَّبَبِ أَوْ الشَّرْطِ فَقَدْ يَغْلِبُ السَّبَبُ الْمُبَاشَرَةَ كَمَا مَرَّ فِي شُهُودِ الزُّورِ إذَا اعْتَرَفُوا بِالتَّعَمُّدِ وَالْعِلْمِ فَإِنَّ الْقِصَاصَ عَلَيْهِمْ دُونَ الْوَلِيِّ وَالْقَاضِي الْجَاهِلَيْنِ بِكَذِبِ الشُّهُودِ، وَقَدْ تَغْلِبُ الْمُبَاشَرَةُ السَّبَبَ وَالشَّرْطَ كَمَا قَالَ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَا قِصَاصَ فِي الصُّورَتَيْنِ وَفِي النَّارِ وَجْهٌ وَلَوْ أَمْسَكَهُ فَقَتَلَهُ آخَرُ أَوْ حَفَرَ بِئْرًا فَرَدَاهُ فِيهَا آخَرُ، أَوْ أَلْقَاهُ مِنْ شَاهِقٍ فَتَلَقَّاهُ آخَرُ فَقَدَّهُ، فَالْقِصَاصُ عَلَى الْقَاتِلِ وَالْمُرْدِي وَالْقَادِّ فَقَطْ، وَلَوْ أَلْقَاهُ فِي مَاءٍ مُغْرِقٍ فَالْتَقَمَهُ حُوتٌ وَجَبَ الْقِصَاصُ فِي الْأَظْهَرِ، أَوْ غَيْرِ مُغْرِقٍ فَلَا‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَوْ أَمْسَكَهُ‏)‏ شَخْصٌ ‏(‏فَقَتَلَهُ آخَرُ أَوْ حَفَرَ بِئْرًا‏)‏ وَلَوْ عُدْوَانًا ‏(‏فَرَدَاهُ فِيهَا آخَرُ‏)‏ وَالتَّرْدِيَةُ تَقْتُلُ غَالِبًا ‏(‏أَوْ أَلْقَاهُ مِنْ شَاهِقٍ‏)‏ أَيْ مَكَانٍ عَالٍ ‏(‏فَتَلَقَّاهُ آخَرُ فَقَدَّهُ‏)‏ أَيْ قَطَعَهُ نِصْفَيْنِ مَثَلًا قَبْلَ وُصُولِهِ الْأَرْضَ، وَالْقَدُّ لُغَةً‏:‏ هُوَ الْقَطْعُ طُولًا، وَالْقَطُّ عَرْضًا كَقَطِّ الْقَلَمِ، وَلَيْسَ مُرَادًا هُنَا ‏(‏فَالْقِصَاصُ عَلَى الْقَاتِلِ‏)‏ فِي الْأُولَى لِحَدِيثِ ‏{‏إذَا أَمْسَكَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ حَتَّى جَاءَ آخَرُ فَقَتَلَهُ قُتِلَ الْقَاتِلُ، وَحُبِسَ الْمُمْسِكُ‏}‏ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَصَحَّحَ ابْنُ الْقَطَّانِ رَفْعَهُ‏.‏ وَقَاسَهُ الشَّافِعِيُّ عَلَى مُمْسِكِ الْمَرْأَةِ لِلزِّنَا يُحَدُّ الزَّانِي دُونَهُ، وَكَمَا لَا قِصَاصَ لَا دِيَةَ بَلْ يُعَزَّرُ لِأَنَّهُ آثِمٌ، وَلِهَذَا قَالَ فِي الْحَدِيثِ ‏"‏ يُحْبَسُ ‏"‏‏.‏ نَعَمْ لَوْ كَانَ الْمَقْتُولُ رَقِيقًا كَانَ لِلْمَالِكِ مُطَالَبَةُ الْمُمْسِكِ بِالْيَدِ، وَالْقَرَارُ عَلَى الْقَاتِلِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَمْسَكَ الْمُحْرِمُ صَيْدًا فَقَتَلَهُ حَلَالٌ وَهُوَ فِي يَدِ الْمُحْرِمِ فَالضَّمَانُ عَلَى الْمُحْرِمِ، وَفَرَّقُوا بِأَنَّهُ ثَمَّ ضَمَانُ يَدٍ، وَهُنَا ضَمَانُ إتْلَافٍ، وَجَعَلُوا سَلَبَ الْقَتِيلِ لِلْقَاتِلِ وَالْمُمْسِكِ لِانْدِفَاعِ شَرِّ الْكَافِرِ بِهِمَا‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

شَرْطُ الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْمَتْنِ أَنْ يَكُونَ الْقَاتِلُ مُكَلَّفًا، فَلَوْ أَمْسَكَهُ وَعَرَّضَهُ لِمَجْنُونٍ أَوْ سَبُعٍ ضَارٍ فَقَتَلَهُ، فَالْقِصَاصُ عَلَى الْمُمْسِكِ قَطْعًا كَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ لِأَنَّهُ يُعَدُّ قَاتِلًا عُرْفًا، وَيَرِدُ عَلَى الْمُصَنِّفِ مَا لَوْ وَضَعَ صَغِيرًا عَلَى هَدَفٍ بَعْدَ الرَّمْيِ لَا قَبْلَهُ فَأَصَابَهُ سَهْمُ الرَّامِي فَإِنَّ الْقِصَاصَ عَلَى الْمُقَدِّمِ لِأَنَّهُ الْمُبَاشِرُ فَهُوَ كَالْمُرْدِي دُونَ الرَّامِي لِأَنَّهُ كَالْحَافِرِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ وَضَعَهُ قَبْلَ الرَّمْيِ، فَإِنَّ الْقِصَاصَ عَلَى الرَّامِي لِأَنَّهُ الْمُبَاشِرُ ‏(‏وَ‏)‏ عَلَى ‏(‏الْمُرْدِي‏)‏ فِي الثَّانِيَةِ تَقْدِيمًا لِلْمُبَاشَرَةِ لِأَنَّ الْحَفْرَ شَرْطٌ وَلَا أَثَرَ لَهُ مَعَ الْمُبَاشَرَةِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

كَلَامُهُ قَدْ يُفْهِمُ تَعَلُّقَ الْقِصَاصِ بِالْحَافِرِ لَوْ انْفَرَدَ، وَلَيْسَ مُرَادًا؛ لِأَنَّ الْحَفْرَ شَرْطٌ، وَالشَّرْطُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ قِصَاصٌ كَمَا مَرَّ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا بُدَّ لِوُجُودِ الْقِصَاصِ مِنْ كَوْنِ التَّرْدِيَةِ يَحْصُلُ مِنْهَا الْقَتْلُ غَالِبًا كَمَا قَدَّرْته فِي كَلَامِهِ ‏(‏وَ‏)‏ عَلَى ‏(‏الْقَادِّ‏)‏ فِي الثَّالِثَةِ الْمُلْتَزِمِ لِلْأَحْكَامِ لِأَنَّ فِعْلَهُ قَطَعَ أَثَرَ السَّبَبِ، وَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُلْقِي وَإِنْ عَرَفَ الْحَالَ أَوْ كَانَ الْقَادُّ مِمَّنْ لَا يَضْمَنُ كَحَرْبِيٍّ‏.‏ نَعَمْ لَوْ كَانَ الْقَادُّ مَجْنُونًا ضَارِبًا فَالْقِصَاصُ عَلَى الْمُلْقِي كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ، وَقَوْلُهُ ‏(‏فَقَطْ‏)‏ أَيْ دُونَ الْمُمْسِكِ وَالْحَافِرِ وَالْمُلْقِي عَلَى مَا تَقَرَّرَ ‏(‏وَلَوْ أَلْقَاهُ فِي مَاءٍ مُغْرِقٍ‏)‏ لَا يُمْكِنُهُ الْخَلَاصُ مِنْهُ كَلُجَّةِ الْبَحْرِ ‏(‏فَالْتَقَمَهُ حُوتٌ‏)‏ وَلَوْ قَبْلَ الْوُصُولِ إلَى الْمَاءِ ‏(‏وَجَبَ الْقِصَاصُ فِي الْأَظْهَرِ‏)‏ لِأَنَّهُ هَلَكَ بِسَبَبِهِ، وَلَا نَظَرَ إلَى جِهَةِ الْهَلَاكِ كَمَا لَوْ أَلْقَاهُ فِي بِئْرٍ مُهْلِكَةٍ فِي أَسْفَلِهَا سِكِّينٌ لَمْ يَعْلَمْ بِهَا الْمُلْقِي فَهَلَكَ بِهَا‏.‏ وَالثَّانِي، وَهُوَ مِنْ تَخْرِيجِ الرَّبِيعِ مِنْ صُورَةِ الْإِلْقَاءِ مِنْ شَاهِقٍ تَجِبُ الدِّيَةُ لِأَنَّ الْهَلَاكَ مِنْ غَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي قَصَدَ فَانْتَهَضَ شُبْهَةً فِي نَفْيِ الْقِصَاصِ، وَالْأَصْحَابُ بَيْنَ رَادٍّ لَهُ وَمُضَعِّفٍ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

مَحَلُّ الْخِلَافِ مَا لَمْ يَرْفَعْ الْحُوتُ رَأْسَهُ وَيَلْقَمْهُ، وَإِلَّا وَجَبَ الْقِصَاصُ قَطْعًا، وَمَحَلُّهُ أَيْضًا إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِالْحُوتِ الَّذِي فِي اللُّجَّةِ، فَإِنْ عَلِمَ بِهِ وَجَبَ الْقَوَدُ قَطْعًا كَمَا لَوْ أَلْقَاهُ عَلَى أَسَدٍ فِي زَرِيبَتِهِ كَمَا قَالَ صَاحِبُ الْمُعِينِ إنَّهُ الَّذِي أَفْهَمَهُ كَلَامُ الْأَصْحَابِ ‏(‏أَوْ غَيْرِ مُغْرِقٍ‏)‏ فَالْتَقَمَهُ حُوتٌ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ الْمُلْقِي ‏(‏فَلَا‏)‏ قِصَاصَ قَطْعًا لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ إهْلَاكَهُ وَلَمْ يَشْعُرْ بِسَبَبِ الْإِهْلَاكِ كَمَا لَوْ دَفَعَهُ دَفْعًا خَفِيفًا فَوَقَعَ عَلَى سِكِّينٍ فَمَاتَ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهَا الدَّافِعُ، وَيَجِبُ فِي الصُّورَتَيْنِ دِيَةُ شِبْهِ عَمْدٍ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ أَنَّهُ إذَا عَلِمَ أَنَّ هُنَاكَ حُوتًا يَجِبُ الْقَوَدُ، وَهُوَ مَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْوَسِيطِ كَمَا لَوْ عَلِمَ السِّكِّينَ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ أَكْرَهَهُ عَلَى قَتْلٍ فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ، وَكَذَا عَلَى الْمُكْرَهِ فِي الْأَظْهَرِ فَإِنْ وَجَبَتْ الدِّيَةُ وُزِّعَتْ، فَإِنْ كَافَأَهُ أَحَدُهُمَا فَقَطْ فَالْقِصَاصُ عَلَيْهِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

ثُمَّ شَرَعَ فِي الضَّرْبِ الثَّالِثِ، وَهُوَ السَّبَبُ الْحِسِّيُّ، فَقَالَ ‏(‏وَلَوْ أَكْرَهَهُ عَلَى قَتْلٍ‏)‏ لِشَخْصٍ بِغَيْرِ حَقٍّ فَقَتَلَهُ ‏(‏فَعَلَيْهِ‏)‏ أَيْ الْمُكْرِهِ بِكَسْرِ الرَّاءِ ‏(‏الْقِصَاصُ‏)‏ لِأَنَّهُ أَهْلَكَهُ بِمَا يُقْصَدُ بِهِ الْإِهْلَاكُ غَالِبًا، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ رَمَاهُ بِسَهْمٍ فَقَتَلَهُ ‏(‏وَكَذَا‏)‏ يَجِبُ الْقِصَاصُ ‏(‏عَلَى الْمُكْرَهِ‏)‏ أَيْضًا بِفَتْحِهَا ‏(‏فِي الْأَظْهَرِ‏)‏ لِأَنَّهُ قَتَلَهُ عَمْدًا عُدْوَانًا لِاسْتِبْقَاءِ نَفْسِهِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ قَتَلَهُ الْمُضْطَرُّ لِيَأْكُلَهُ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّ الْمُضْطَرَّ عَلَى يَقِينٍ مِنْ التَّلَفِ إنْ لَمْ يَأْكُلْ بِخِلَافِ الْمُكْرَهَ، وَالثَّانِي لَا قِصَاصَ عَلَيْهِ لِحَدِيثِ ‏{‏رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ‏}‏ وَلِأَنَّهُ آلَةٌ لِلْمُكْرَهِ فَصَارَ كَمَا لَوْ ضَرَبَهُ بِهِ، وَقِيلَ لَا قِصَاصَ عَلَى الْمُكْرِهِ بِكَسْرِ الرَّاءِ لِأَنَّهُ مُتَسَبِّبٌ، بَلْ عَلَى الْمُكْرَهِ بِفَتْحِهَا فَقَطْ لِأَنَّهُ مُبَاشِرٌ، وَالْمُبَاشَرَةُ مُقَدَّمَةٌ‏.‏ تَنْبِيهَاتٌ‏:‏ الْأَوَّلُ إطْلَاقُهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي جَرَيَانِ الْخِلَافِ بَيْنَ كَوْنِ الْمُكْرِهِ الْإِمَامَ أَوْ غَيْرَهُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَلَكِنَّ مَحَلَّهُ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُكْرَهُ عَلَيْهِ غَيْرَ نَبِيٍّ‏.‏ أَمَّا إذَا كَانَ نَبِيًّا فَيَجِبُ عَلَى الْمُكْرَهِ بِفَتْحِ الرَّاءِ الْقِصَاصُ قَطْعًا كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ فِي الْمُضْطَرِّ‏.‏ الثَّانِي لَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ مَا يَحْصُلُ بِهِ الْإِكْرَاهُ اكْتِفَاءً بِمَا ذَكَرَهُ فِي الطَّلَاقِ، وَلَكِنْ نَقَلَ الرَّافِعِيُّ هُنَا عَنْ الْمُعْتَبَرِينَ أَنَّ الْإِكْرَاهَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِالتَّخْوِيفِ بِالْقَتْلِ أَوْ بِمَا يُخَافُ مِنْهُ التَّلَفُ كَالْقَطْعِ وَالضَّرْبِ الشَّدِيدِ، وَقِيلَ يَحْصُلُ بِمَا يَحْصُلُ بِهِ الْإِكْرَاهُ عَلَى الطَّلَاقِ ا هـ‏.‏

وَالْأَوَّلُ هُوَ الظَّاهِرُ، وَلَوْ قَالَ‏:‏ اُقْتُلْ هَذَا وَإِلَّا قَتَلْت وَلَدَك‏.‏ قَالَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ‏:‏ إنَّهُ لَيْسَ بِإِكْرَاهٍ عَلَى الْأَصَحِّ، وَلَكِنْ قَالَ الرُّويَانِيُّ الصَّحِيحُ عِنْدِي أَنَّهُ إكْرَاهٌ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ لِأَنَّ وَلَدَهُ كَنَفْسِهِ فِي الْغَالِبِ‏.‏ الثَّالِثُ لَا يَجُوزُ لِلْمُكْرَهِ الْإِقْدَامُ عَلَى الْقَتْلِ الْمُحَرَّمِ لِذَاتِهِ وَإِنْ لَمْ نُوجِبْ عَلَيْهِ الْقِصَاصَ بَلْ يَأْثَمُ إذَا قَتَلَ، وَكَذَا لَا يُبَاحُ الزِّنَا بِالْإِكْرَاهِ، وَيُبَاحُ بِهِ شُرْبُ الْخَمْرِ، وَالْقَذْفُ وَالْإِفْطَارُ فِي رَمَضَانَ عَلَى الْقَوْلِ بِإِبْطَالِ الصَّوْمِ بِهِ، وَالْخُرُوجُ مِنْ صَلَاةِ الْفَرْضِ، وَإِتْلَافُ مَالِ الْغَيْرِ وَصَيْدُ الْحَرَمِ وَيَضْمَنُ كُلٌّ مِنْ الْمُكْرِهِ وَالْمُكْرَهِ الْمَالَ وَالصَّيْدَ وَالْقَرَارُ عَلَى الْمُكْرِهِ بِكَسْرِ الرَّاءِ لِتَعَدِّيهِ، وَلَيْسَ لِمَالِكِ الْمَالِ دَفْعُ الْمُكْرَهِ عَنْ مَالِهِ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَقِيَ رُوحَهُ بِمَالِهِ، وَيَجِبُ عَلَى الْمُكْرَهِ أَيْضًا أَنْ يَقِيَ رُوحَهُ بِإِتْلَافِهِ كَمَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ فِي وَسِيطِهِ، وَنَقَلَ ابْنُ الرِّفْعَةِ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ، وَلِلْإِتْيَانِ بِمَا هُوَ كُفْرٌ قَوْلًا أَوْ فِعْلًا مَعَ طُمَأْنِينَةِ الْقَلْبِ بِالْإِيمَانِ، وَعَلَى هَذَا الْأَفْضَلُ أَنْ يَثْبُتَ، وَلَا يَأْتِيَ بِلَفْظَةِ الْكُفْرِ، وَقِيلَ‏:‏ يَأْتِي بِهِ صِيَانَةً لِنَفْسِهِ وَقِيلَ‏:‏ إنْ كَانَ مِنْ الْعُلَمَاءِ الْمُقْتَدَى بِهِمْ فَالْأَفْضَلُ الثُّبُوتُ وَإِلَّا فَلَا، وَيُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ مَا إذَا كَانَ الْمُكْرَهُ بِفَتْحِ الرَّاءِ أَعْجَمِيًّا يَرَى طَاعَةَ كُلِّ أَحَدٍ فَإِنَّهُ لَوْ أَمَرَهُ بِقَتْلٍ كَانَ الْقِصَاصُ عَلَى الْآمِرِ فَقَطْ‏.‏ الرَّابِعُ‏:‏ قَيَّدَ الْبَغَوِيّ وُجُوبَ الْقِصَاصِ عَلَى الْمُكْرَهِ بِالْفَتْحِ بِمَا إذَا لَمْ يَظُنَّ أَنَّ الْإِكْرَاهَ يُبِيحُ الْإِقْدَامَ، فَإِنْ ظَنَّ ذَلِكَ فَلَا قَوَدَ عَلَيْهِ جَزْمًا، وَهُوَ ظَاهِرٌ إنْ كَانَ مِمَّنْ يَخْفَى عَلَيْهِ تَحْرِيمُ ذَلِكَ، إذْ الْقِصَاصُ يَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ ‏(‏فَإِنْ وَجَبَتْ الدِّيَةُ‏)‏ فِي صُورَةِ الْإِكْرَاهِ كَأَنْ عَفَا عَنْ الْقِصَاصِ عَلَيْهَا ‏(‏وُزِّعَتْ‏)‏ عَلَيْهِمَا بِالسَّوِيَّةِ كَالشَّرِيكَيْنِ فِي الْقَتْلِ، وَلِلْوَلِيِّ أَنْ يَقْتَصَّ مِنْ أَحَدِهِمَا وَيَأْخُذَ نِصْفَ الدِّيَةِ مِنْ الْآخَرِ، هَذَا إذَا كَافَأَهُ ‏(‏فَإِنْ كَافَأَهُ‏)‏ بِهَمْزَةٍ‏:‏ أَيْ سَاوَى الْمَقْتُولَ ‏(‏أَحَدُهُمَا فَقَطْ‏)‏ كَأَنْ كَانَ الْمَقْتُولُ ذِمِّيًّا أَوْ عَبْدًا وَأَحَدُهُمَا كَذَلِكَ وَالْآخَرُ مُسْلِمٌ أَوْ حُرٌّ ‏(‏فَالْقِصَاصُ عَلَيْهِ‏)‏ أَيْ الْمُكَافِئِ دُونَ الْآخَرِ بَلْ عَلَيْهِ نِصْفُ الضَّمَانِ لِأَنَّهُمَا كَالشَّرِيكَيْنِ، وَشَرِيكُ غَيْرِ الْمُكَافِئِ يَقْتَصُّ مِنْهُ كَشَرِيكِ الْأَبِ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ أَكْرَهَ بَالِغٌ مُرَاهِقًا فَعَلَى الْبَالِغِ الْقِصَاصُ إنْ قُلْنَا‏:‏ عَمْدُ الصَّبِيِّ‏:‏ عَمْدٌ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ، وَلَوْ أَكْرَهَ عَلَى رَمْيِ شَاخِصٍ عَلِمَ الْمُكْرِهَ أَنَّهُ رَجُلٌ وَظَنَّهُ الْمُكْرَهُ صَيْدًا فَالْأَصَحُّ وُجُوبُ الْقِصَاصِ عَلَى الْمُكْرِهِ، أَوْ عَلَى رَمْيِ صَيْدٍ فَأَصَابَ رَجُلًا فَلَا قِصَاصَ عَلَى أَحَدٍ أَوْ عَلَى صُعُودِ شَجَرَةٍ فَزَلَقَ فَمَاتَ فَشِبْهُ عَمْدٍ، وَقِيلَ عَمْدٌ، أَوْ عَلَى قَتْلِ نَفْسِهِ فَلَا قِصَاصَ فِي الْأَظْهَرِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَوْ أَكْرَهَ بَالِغٌ‏)‏ عَاقِلٌ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ ‏(‏مُرَاهِقًا‏)‏ أَوْ عَكْسُهُ عَلَى قَتْلِ شَخْصٍ فَقَتَلَهُ ‏(‏فَعَلَى الْبَالِغِ الْقِصَاصُ‏)‏ لِوُجُودِ مُقْتَضِيهِ وَهُوَ الْقَتْلُ الْمَحْضُ الْعُدْوَانِ، هَذَا ‏(‏إنْ قُلْنَا‏:‏ عَمْدُ الصَّبِيِّ عَمْدٌ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ‏)‏ فَإِنْ قُلْنَا خَطَأٌ فَلَا قِصَاصَ، لِأَنَّهُ شَرِيكٌ مُخْطِئٌ، وَلَا قِصَاصَ عَلَى الصَّبِيِّ بِحَالٍ لِعَدَمِ تَكْلِيفِهِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي عَمْدِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ هَلْ هُوَ عَمْدٌ أَوْ خَطَأٌ إذَا كَانَ لَهُمَا نَوْعُ تَمْيِيزٍ وَإِلَّا فَخَطَأٌ قَطْعًا كَمَا نَقَلَاهُ عَنْ الْقَفَّالِ وَغَيْرِهِ فِي الْكَلَامِ عَلَى شَرِيكِ الْمُخْطِئِ، وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى ذَلِكَ بِالتَّمْثِيلِ بِالْمُرَاهِقِ ‏(‏وَلَوْ أَكْرَهَ‏)‏ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ بِخَطِّهِ مُكَلَّفًا ‏(‏عَلَى رَمْيِ شَاخِصٍ عَلِمَ الْمُكْرِهُ‏)‏ بِكَسْرِ الرَّاءِ ‏(‏أَنَّهُ رَجُلٌ وَظَنَّهُ الْمُكْرَهُ‏)‏ بِفَتْحِهَا ‏(‏صَيْدًا‏)‏ أَوْ حَجَرًا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ فَرَمَاهُ فَقَتَلَهُ ‏(‏فَالْأَصَحُّ وُجُوبُ الْقِصَاصِ عَلَى الْمُكْرِهِ‏)‏ بِكَسْرِ الرَّاءِ لِأَنَّهُ قَتَلَهُ قَاصِدًا لِلْقَتْلِ بِمَا يَقْتُلُ غَالِبًا دُونَ الْمُكْرَهِ بِفَتْحِهَا فَإِنَّهُ جَاهِلٌ بِالْحَالِ فَكَانَ كَالْآلَةِ لِلْمُكْرِهِ، وَالثَّانِي لَا قِصَاصَ عَلَى الْمُكْرَهِ أَيْضًا لِأَنَّهُ شَرِيكٌ مُخْطِئٌ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

هَلْ يَجِبُ عَلَى مَنْ ظَنَّ الصَّيْدَ نِصْفُ دِيَةٍ مُخَفَّفَةٍ عَلَى عَاقِلَتِهِ أَوْ لَا‏؟‏ وَجْهَانِ‏:‏ رَجَّحَ ابْنُ الْمُقْرِي الثَّانِي، وَيُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْأَنْوَارِ تَرْجِيحُ الْأَوَّلِ، وَهُوَ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا الْأَوْجَهُ ‏(‏أَوْ‏)‏ أَكْرَهَهُ ‏(‏عَلَى رَمْيِ صَيْدٍ فَأَصَابَ‏)‏ آدَمِيًّا ‏(‏رَجُلًا‏)‏ أَوْ غَيْرَهُ فَمَاتَ ‏(‏فَلَا قِصَاصَ عَلَى أَحَدٍ‏)‏ مِنْهُمَا لِأَنَّهُمَا لَمْ يَتَعَمَّدَاهُ، وَيَجِبُ عَلَى عَاقِلَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا نِصْفُ الدِّيَةِ ‏(‏أَوْ‏)‏ أَكْرَهَهُ ‏(‏عَلَى صُعُودِ شَجَرَةٍ‏)‏ أَوْ عَلَى نُزُولِ بِئْرٍ ‏(‏فَزَلِقَ فَمَاتَ فَشِبْهُ عَمْدٍ‏)‏ لِأَنَّهُ لَا يُقْصَدُ بِهِ الْقَتْلُ غَالِبًا، وَقَضِيَّةُ هَذَا وُجُوبُ الدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَةِ الْمُكْرِهِ بِكَسْرِ الرَّاءِ، وَهُوَ مَا جَزَمَ بِهِ فِي التَّهْذِيبِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ‏:‏ لَكِنْ حَكَى ابْنُ الْقَطَّانِ فِي فُرُوعِهِ نَصَّ الشَّافِعِيِّ عَلَى أَنَّهَا فِي مَالِهِ ‏(‏وَقِيلَ‏)‏ هُوَ ‏(‏عَمْدٌ‏)‏ وَهَذَا لَيْسَ بِوَجْهٍ مُحَقَّقٍ بَلْ هُوَ رَأْيٌ لِلْغَزَالِيِّ، وَعَلَيْهِ فَيَجِبُ بِهِ الْقِصَاصُ لِأَنَّهُ تَسَبُّبٌ إلَى قَتْلِهِ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ رَمَاهُ بِسَهْمٍ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

مَحَلُّ هَذَا الْقَوْلِ فِيمَا إذَا كَانَتْ الشَّجَرَةُ مِمَّا يَزْلَقُ عَلَى مِثْلِهَا غَالِبًا كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي نُكَتِ الْوَسِيطِ، أَمَّا إذَا كَانَتْ لَا يَزْلَقُ عَلَى مِثْلِهَا غَالِبًا فَلَا يَأْتِي هَذَا الْقَوْلُ، فَالتَّقْيِيدُ بِذَلِكَ لِمَحَلِّ الْخِلَافِ، لَا كَمَا فَهِمَهُ أَكْثَرُ الشُّرَّاحِ مِنْ أَنَّهُ قَيْدٌ لِشِبْهِ الْعَمْدِ فَيَكُونُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ خَطَأً فَتَنَبَّهْ لِذَلِكَ فَإِنَّهُ مِمَّا يَغْفُلُ عَنْهُ كَثِيرٌ مِنْ الطَّلَبَةِ، وَصَحَّحَ الْبُلْقِينِيُّ أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِشِبْهِ عَمْدٍ بَلْ هُوَ خَطَأٌ مَحْضٌ ‏(‏أَوْ‏)‏ أَكْرَهَهُ ‏(‏عَلَى قَتْلِ نَفْسِهِ‏)‏ بِأَنْ قَالَ لَهُ‏:‏ اُقْتُلْ نَفْسَك أَوْ اشْرَبْ هَذَا السُّمَّ وَإِلَّا قَتَلْتُك فَقَتَلَهَا ‏(‏فَلَا قِصَاصَ‏)‏ عَلَيْهِ ‏(‏فِي الْأَظْهَرِ‏)‏ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِإِكْرَاهٍ حَقِيقَةً لِاتِّحَادِ الْمَأْمُورِ بِهِ وَالْمُخَوَّفِ بِهِ فَصَارَ كَأَنَّهُ مُخْتَارٌ لَهُ، وَالثَّانِي يَجِبُ كَمَا إذَا أَكْرَهَهُ عَلَى قَتْلِ غَيْرِهِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَا شَيْءَ عَلَى الْآمِرِ مِنْ الدِّيَةِ كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ مُوجِبَاتِ الدِّيَةِ، وَإِنْ جَرَى ابْنُ الْمُقْرِي عَلَى وُجُوبِ نِصْفِ دِيَةٍ، لِأَنَّ الْقِصَاصَ إنَّمَا يَسْقُطُ لِانْتِفَاءِ الْإِكْرَاهِ فَيَنْتَفِي مُوجِبُهُ فَلَا يَجِبُ عَلَى فَاعِلِهِ شَيْءٌ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

مَحَلُّ الْخِلَافِ كَمَا قَالَهُ أَبُو الْفَرَجِ الرَّازِيّ‏:‏ مَا إذَا خَوَّفَهُ بِمِثْلِ ذَلِكَ الْقَتْلِ، فَإِنْ خَوَّفَهُ بِعُقُوبَةٍ فَوْقَ الْقَتْلِ كَالْإِحْرَاقِ وَالتَّمْثِيلِ فَهُوَ إكْرَاهٌ، وَيُسْتَثْنَى مَا إذَا كَانَ الْمُكْرَهُ بِفَتْحِ الرَّاءِ غَيْرَ مُمَيِّزٍ لِصِغَرٍ أَوْ جُنُونٍ فَإِنَّهُ يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى الْمُكْرِهِ بِكَسْرِ الرَّاءِ بِخِلَافِ الْبَالِغِ الْأَعْجَمِيِّ، فَإِنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ قَتْلُ نَفْسِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَمَرَهُ بِقَتْلِ غَيْرِهِ فَفَعَلَ، نَعَمْ إنْ أَمَرَهُ بِبَطِّ جُرْحِهِ أَوْ بِفَتْحِ عِرْقِهِ الْقَاتِلِ، فَإِنْ كَانَ بِمَقْتَلٍ وَجَهِلَ كَوْنَهُ قَاتِلًا ضَمِنَ الْآمِرِ، لِأَنَّ الْأَعْجَمِيَّ حِينَئِذٍ لَا يَظُنُّهُ قَاتِلًا فَيَجُوزُ أَنْ يَعْتَقِدَ وُجُوبَ الطَّاعَةِ، أَمَّا إذَا عَلِمَهُ قَاتِلًا فَلَا ضَمَانَ عَلَى آمِرِهِ، وَخَرَجَ بِالتَّقْيِيدِ بِالنَّفْسِ الطَّرَفُ، فَلَوْ قَالَ لَهُ‏:‏ اقْطَعْ يَدَك أَوْ رِجْلَك أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ وَإِلَّا قَتَلْتُك فَقَطَعَهَا اُقْتُصَّ مِنْهُ لِأَنَّهُ إكْرَاهٌ، لِأَنَّ قَطْعَهُ تُرْجَى مَعَهُ الْحَيَاةُ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ قَالَ‏:‏ اُقْتُلْنِي وَإِلَّا قَتَلْتُك فَقَتَلَهُ فَالْمَذْهَبُ لَا قِصَاصَ، وَالْأَظْهَرُ لَا دِيَةَ، وَلَوْ قَالَ‏:‏ اُقْتُلْ زَيْدًا أَوْ عَمْرًا فَلَيْسَ بِإِكْرَاهٍ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَوْ قَالَ‏)‏ شَخْصٌ لِآخَرَ ‏(‏اُقْتُلْنِي وَإِلَّا قَتَلْتُك فَقَتَلَهُ‏)‏ ذَلِكَ الشَّخْصُ ‏(‏فَالْمَذْهَبُ لَا قِصَاصَ‏)‏ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْإِذْنَ شُبْهَةٌ دَارِئَةٌ لِلْحَدِّ، وَالطَّرِيقُ الثَّانِي ذَاتُ قَوْلَيْنِ، ثَانِيهِمَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ لِأَنَّ الْقَتْلَ لَا يُبَاحُ بِالْإِذْنِ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ أَذِنَ لَهُ فِي الزِّنَا بِأَمَتِهِ ‏(‏وَالْأَظْهَرُ‏)‏ عَلَى عَدَمِ الْقِصَاصِ ‏(‏لَا دِيَةَ‏)‏ أَيْضًا بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا تَثْبُتُ لِلْمَقْتُولِ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ حَيَاتِهِ، ثُمَّ تَنْتَقِلُ إلَى الْوَارِثِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ، وَلِهَذَا تَنْفُذُ مِنْهَا وَصَايَاهُ وَتُقْضَى مِنْهَا دُيُونُهُ، وَلَوْ كَانَتْ لِلْوَرَثَةِ ابْتِدَاءً لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ، وَالثَّانِي تَجِبُ وَلَا يُؤَثِّرُ إذْنُهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا تَثْبُتُ لِلْوَرَثَةِ ابْتِدَاءً عَقِبَ هَلَاكِ الْمَقْتُولِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

لَوْ لَمْ يَقُلْ‏:‏ وَإِلَّا قَتَلْتُك كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ كَمَا سَيَأْتِي فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِي بَابِ كَيْفِيَّةِ الْقِصَاصِ، وَلَوْ قَالَ اُقْتُلْنِي فَفَعَلَ فَهَدَرٌ هَذَا كُلُّهُ فِي النَّفْسِ، فَلَوْ قَالَ لَهُ‏:‏ اقْطَعْ يَدِي مَثَلًا فَقَطَعَهَا وَلَمْ يَمُتْ فَلَا قَوَدَ وَلَا دِيَةَ قَوْلًا وَاحِدًا قَالَهُ فِي الرَّوْضَةِ، فَإِنْ مَاتَ فَعَلَى الْخِلَافِ، وَمَحَلُّهُ فِيمَا إذَا أَمْكَنَ دَفْعُهُ بِغَيْرِ الْقَتْلِ، فَإِنْ قَتَلَهُ دَفْعًا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ جَزْمًا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّيْخَانِ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ، فَإِنْ قِيلَ‏:‏ إذَا أَمْكَنَهُ دَفْعُهُ بِغَيْرِ الْقَتْلِ فَقَدْ انْتَفَى الْإِكْرَاهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ الْقِصَاصُ جَزْمًا‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ الْإِذْنَ بِلَا إكْرَاهٍ مُسْقِطٌ، وَقَدْ حَكَى الرَّافِعِيُّ الطَّرِيقَيْنِ فِي الْإِذْنِ الْمُجَرَّدِ، ثُمَّ قَالَ‏:‏ فَإِنْ انْضَمَّ إلَى ذَلِكَ إكْرَاهٌ فَسُقُوطُ الْقِصَاصِ أَوْجَهُ، وَلَوْ قَالَ اقْذِفْنِي وَإِلَّا قَتَلْتُك فَقَذَفَهُ فَلَا حَدَّ عَلَى الصَّوَابِ فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ، وَلَوْ كَانَ الْآذِنُ عَبْدًا لَمْ يَسْقُطْ الضَّمَانُ، وَفِي الْقِصَاصِ إذَا كَانَ الْمَأْذُونُ لَهُ عَبْدًا وَجْهَانِ أَظْهَرُهُمَا السُّقُوطُ، وَلَوْ أَكْرَهَهُ عَلَى إكْرَاهِ غَيْرِهِ اُقْتُصَّ مِنْهُمْ، وَلِلْمَأْمُورِ بِالْقَتْلِ دَفْعُ الْمُكْرَهِ، وَلِلثَّالِثِ دَفْعُهُمَا، وَإِنْ أَفْضَى إلَى الْقَتْلِ فَهَدَرٌ، وَالْمُكْرَهُ هُنَا هُوَ الْمَحْمُولُ عَلَى قَتْلِ مُعَيَّنٍ لَا يَجِدُ عَنْهُ مَحِيصًا ‏(‏وَ‏)‏ حِينَئِذٍ ‏(‏لَوْ قَالَ‏)‏ لِشَخْصٍ ‏(‏اُقْتُلْ زَيْدًا أَوْ عَمْرًا‏)‏ وَإِلَّا قَتَلْتُك ‏(‏فَلَيْسَ بِإِكْرَاهٍ‏)‏ حَقِيقَةً، فَمَنْ قَتَلَهُ مِنْهُمَا فَهُوَ مُخْتَارٌ لِقَتْلِهِ فَيَلْزَمُهُ الْقِصَاصُ لَهُ، وَلَا شَيْءَ عَلَى الْآمِرِ غَيْرُ الْإِثْمِ، وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ‏:‏ هُوَ إكْرَاهٌ لِأَنَّهُ لَا يَتَخَلَّصُ إلَّا بِقَتْلِ أَحَدِهِمَا فَهُوَ مُلْجَأٌ إلَيْهِ، وَصَحَّحَهُ الْبُلْقِينِيُّ قَالَ‏:‏ وَلَيْسَ هَذَا كَإِكْرَاهِهِ عَلَى طَلَاقِ إحْدَى زَوْجَتَيْهِ، فَإِنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ‏:‏ إحْدَاهُمَا طَالِقٌ، فَإِذَا طَلَّقَ مُعَيَّنَةً كَانَ مُخْتَارًا‏.‏

تَتِمَّةٌ‏:‏

لَوْ أَمَرَ السُّلْطَانُ شَخْصًا بِقَتْلِ آخَرَ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَالْمَأْمُورُ لَا يَعْلَمُ ظُلْمَ السُّلْطَانِ وَلَا خَطَأَهُ وَجَبَ الْقَوَدُ أَوْ الدِّيَةُ وَالْكَفَّارَةُ عَلَى السُّلْطَانِ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْمَأْمُورِ لِأَنَّهُ آلَتُهُ، وَلَا بُدَّ مِنْهُ فِي السِّيَاسَةِ، فَلَوْ ضَمِنَاهُ لَمْ يَتَوَلَّ الْجَلْدَ أَحَدٌ، وَلِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْإِمَامَ لَا يَأْمُرُ إلَّا بِحَقٍّ، وَلِأَنَّ طَاعَتَهُ وَاجِبَةٌ فِيمَا لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ مَعْصِيَةٌ، وَيُسَنُّ لِلْمَأْمُورِ أَنْ يُكَفِّرَ لِمُبَاشَرَةِ الْقَتْلِ، وَإِنْ عَلِمَ بِظُلْمِهِ أَوْ خَطَئِهِ وَجَبَ الْقَوَدُ عَلَى الْمَأْمُورِ إنْ لَمْ يَخَفْ قَهْرَهُ بِالْبَطْشِ بِمَا يَحْصُلُ بِهِ الْإِكْرَاهُ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ طَاعَتُهُ حِينَئِذٍ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فَصَارَ كَمَا لَوْ قَتَلَهُ بِغَيْرِ إذْنٍ، فَلَا شَيْءَ عَلَى السُّلْطَانِ إلَّا الْإِثْمُ فِيمَا إذَا كَانَ ظَالِمًا، نَعَمْ إنْ اعْتَقَدَ وُجُوبَ طَاعَتِهِ فِي الْمَعْصِيَةِ فَالضَّمَانُ عَلَى الْإِمَامِ لَا عَلَيْهِ، لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا يَخْفَى، نَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ عَنْ صَاحِبِ الْوَافِي وَأَقَرَّاهُ، فَإِنْ خَافَ قَهْرَهُ فَكَالْمُكْرَهِ فَالضَّمَانُ بِالْقِصَاصِ وَغَيْرِهِ عَلَيْهِمَا، وَحُكْمُ سَيِّدِ الْبُغَاةِ حُكْمُ الْإِمَامِ فِيمَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّ أَحْكَامَهُ نَافِذَةٌ بَلْ إنَّ أَمْرَهُ بِقَتْلِهِ مُتَغَلِّبٌ فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ أَوْ الدِّيَةُ وَالْكَفَّارَةُ وَلَيْسَ عَلَى الْآمِرِ إلَّا الْإِثْمُ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَعْتَقِدَهُ حَقًّا أَوْ يَعْرِفَ أَنَّهُ ظُلْمٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبِ الطَّاعَةِ، هَذَا إنْ لَمْ يَخَفْ قَهْرَهُ كَمَا مَرَّ إلَّا فَكَالْمُكْرَهِ، وَلَوْ أَكْرَهَهُ الْإِمَامُ عَلَى صُعُودِ شَجَرَةٍ أَوْ نُزُولِ بِئْرٍ فَفَعَلَ، فَإِنْ لَمْ يَخَفْ قَهْرَهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَإِنْ خَافَهُ فَالضَّمَانُ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَهِيَ دِيَةُ شِبْهِ عَمْدٍ كَمَا مَرَّ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لِمَصْلَحَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَوْ أَمَرَ شَخْصٌ عَبْدَهُ أَوْ عَبْدَ غَيْرِهِ الْمُمَيِّزَ الَّذِي لَا يَعْتَقِدُ وُجُوبَ طَاعَتِهِ فِي كُلِّ أَمْرِهِ بِقَتْلٍ أَوْ إتْلَافٍ ظُلْمًا فَفَعَلَ أَثِمَ الْآمِرْ وَاقْتُصَّ مِنْ الْعَبْدِ الْبَالِغِ وَتَعَلَّقَ ضَمَانُ الْمَالِ بِرَقَبَتِهِ، وَإِنْ كَانَ لِلصَّبِيِّ أَوْ الْمَجْنُونِ تَمْيِيزٌ فَالضَّمَانُ عَلَيْهِمَا دُونَ الْآمِرِ، وَمَا أَتْلَفَهُ غَيْرُ الْمُمَيِّزِ بِلَا أَمْرٍ خَطَأٌ يَتَعَلَّقُ بِذِمَّتِهِ إنْ كَانَ حُرًّا وَبِرَقَبَتِهِ إنْ كَانَ رَقِيقًا لَا هَدَرٌ، وَإِنْ اقْتَضَى كَلَامُ أَصْلِ الرَّوْضَةِ أَنَّهُ هَدَرٌ، وَلَوْ أَكْرَهَ شَخْصٌ عَبْدًا مُمَيِّزًا عَلَى قَتْلٍ مَثَلًا فَفَعَلَ تَعَلَّقَ نِصْفُ الدِّيَةِ بِرَقَبَتِهِ بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ أَنَّ الْحُرَّ الْمُكْرِهَ يَلْزَمُهُ نِصْفُ الدِّيَةِ‏.‏

فَصْلٌ‏:‏ ‏[‏فِي الْجِنَايَةِ مِنْ اثْنَيْنِ‏]‏

المتن‏:‏

وُجِدَ مِنْ شَخْصَيْنِ مَعًا فِعْلَانِ مُزْهِقَانِ مُذَفِّفَانِ كَحَزٍّ وَقَدٍّ، أَوْ لَا كَقَطْعِ عُضْوَيْنِ فَقَاتِلَانِ وَإِنْ أَنْهَاهُ رَجُلٌ إلَى حَرَكَةِ مَذْبُوحٍ‏:‏ بِأَنْ لَمْ يَبْقَ إبْصَارٌ، وَنُطْقٌ وَحَرَكَةُ اخْتِيَارٍ‏.‏ ثُمَّ جَنَى آخَرُ فَالْأَوَّلُ قَاتِلٌ، وَيُعَزَّرُ الثَّانِي، وَإِنْ جَنَى الثَّانِي قَبْلَ الْإِنْهَاءِ إلَيْهَا فَإِنْ ذَفَّفَ كَحَزٍّ بَعْدَ جُرْحٍ فَالثَّانِي قَاتِلٌ، وَعَلَى الْأَوَّلِ قِصَاصُ الْعُضْوِ أَوْ مَالٌ بِحَسَبِ الْحَالِ، وَإِلَّا فَقَاتِلَانِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏[‏ فَصْلٌ ‏]‏ فِي الْجِنَايَةِ مِنْ اثْنَيْنِ وَمَا يُذْكَرُ مَعَهَا، إذَا ‏(‏وُجِدَ مِنْ شَخْصَيْنِ‏)‏ مَثَلًا حَالَ كَوْنِهِمَا ‏(‏مَعًا‏)‏ أَيْ مُجْتَمِعَيْنِ فِي زَمَنٍ وَاحِدٍ ‏(‏فِعْلَانِ‏)‏ مَثَلًا ‏(‏مُزْهِقَانِ‏)‏ لِلرُّوحِ بِحَيْثُ لَوْ انْفَرَدَ كُلٌّ مِنْهُمَا لَأَمْكَنَ إحَالَةُ الْإِزْهَاقِ عَلَيْهِ وَهُمَا ‏(‏مُذَفِّفَانِ‏)‏ بِإِعْجَامِ الذَّالِ بِخَطِّهِ، وَيَجُوزُ إهْمَالُهَا‏:‏ أَيْ مُسْرِعَانِ لِلْقَتْلِ ‏(‏كَحَزٍّ‏)‏ لِلرَّقَبَةِ ‏(‏وَقَدٍّ‏)‏ لِلْجُثَّةِ ‏(‏أَوْ لَا‏)‏ أَيْ غَيْرُ مُذَفِّفَيْنِ ‏(‏كَقَطْعِ عُضْوَيْنِ‏)‏ وَمَاتَ مِنْهُمَا ‏(‏فَقَاتِلَانِ‏)‏ يَجِبُ عَلَيْهِمَا الْقِصَاصُ، وَكَذَا الدِّيَةُ إذَا وَجَبَتْ لِوُجُودِ السَّبَبِ مِنْهُمَا، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُذَفِّفًا دُونَ الْآخَرِ كَانَ الْمُذَفِّفُ هُوَ الْقَاتِلُ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ مَعًا عَمَّا إذَا تَرَتَّبَ فِعْلُهُمَا وَسَيَذْكُرُهُ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

اسْتَعْمَلَ الْمُصَنِّفُ هُنَا مَعًا لِلدَّلَالَةِ عَلَى الِاتِّحَادِ فِي الزَّمَانِ وِفَاقًا لِثَعْلَبٍ وَغَيْرِهِ، وَأَمَّا ابْنُ مَالِكٍ فَاخْتَارَ عَدَمَ دَلَالَتِهَا عَلَى الِاتِّحَادِ وَأَنَّهَا تُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى جَمِيعًا وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِيمَنْ قَالَ لِامْرَأَتَيْهِ‏:‏ إنْ وَلَدْتُمَا مَعًا فَأَنْتُمَا طَالِقَتَانِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الِاتِّحَادُ فِي الزَّمَانِ، وَإِذَا أُفْرِدَتْ عَنْ الْإِضَافَةِ كَمَا فِي الْكِتَابِ أُعْرِبَتْ حَالًا، وَمُذَفِّفَانِ فِي كَلَامِهِ خَبَرُ مُبْتَدَإٍ مَحْذُوفٍ‏:‏ أَيْ وَهُمَا مُذَفِّفَانِ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَلَيْسَ صِفَةً لِفِعْلَانِ لِتَنْوِيعِهِمَا إلَى التَّذْفِيفِ وَعَدَمِهِ، وَالْفَاءُ فِي قَوْلِهِ فَقَاتِلَانِ جَوَابُ شَرْطٍ مَحْذُوفٍ كَمَا قَدَّرْته فِي كَلَامِهِ ‏(‏وَإِنْ‏)‏ لَمْ يُوجَدْ الْفِعْلَانِ مَعًا بِالْوَصْفِ السَّابِقِ بَلْ تَرَتَّبَا بِأَنْ ‏(‏أَنْهَاهُ رَجُلٌ‏)‏ مَثَلًا ‏(‏إلَى حَرَكَةِ مَذْبُوحٍ‏)‏ وَهِيَ الْمُفَسَّرَةُ بِقَوْلِهِ ‏(‏بِأَنْ لَمْ يَبْقَ‏)‏ مَعَهَا ‏(‏إبْصَارٌ، وَ‏)‏ لَا ‏(‏نُطْقٌ‏)‏ اخْتِيَارِيٌّ ‏(‏وَ‏)‏ لَا ‏(‏حَرَكَةُ اخْتِيَارٍ‏)‏ وَهِيَ الَّتِي يَبْقَى مَعَهَا الْإِدْرَاكُ وَهِيَ الْمُسْتَقِرَّةُ وَيُقْطَعُ بِمَوْتِهِ بَعْدَ يَوْمٍ أَوْ أَيَّامٍ، وَهِيَ الَّتِي اُشْتُرِطَ وُجُودُهَا فِي إيجَابِ الْقِصَاصُ دُونَ الْمُسْتَمِرَّةِ وَهِيَ الَّتِي لَوْ تُرِكَ مَعَهَا لَعَاشَ، وَاحْتُرِزَ بِالِاخْتِيَارِ عَمَّا إذَا قُطِعَ الْإِنْسَانُ نِصْفَيْنِ وَبَقِيَتْ أَحْشَاؤُهُ فِي النِّصْفِ الْأَعْلَى، فَإِنَّهُ رُبَّمَا يَتَكَلَّمُ بِكَلِمَاتٍ لَا تَنْتَظِمُ، وَإِنْ انْتَظَمَتْ فَلَيْسَتْ عَنْ رَوِيَّةٍ وَاخْتِيَارٍ، بَلْ تَجْرِي مَجْرَى الْهَذَيَانِ الَّذِي لَا يَصْدُرُ عَنْ عَقْلٍ صَحِيحٍ وَلَا قَلْبٍ ثَابِتٍ، حَكَى ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ‏:‏ أَنَّ رَجُلًا قُطِعَ نِصْفَيْنِ فَتَكَلَّمَ وَاسْتَسْقَى مَاءً فَسُقِيَ، وَقَالَ هَكَذَا يُفْعَلُ بِالْجِيرَانِ، وَإِنْ شَكَّ فِي وُصُولِهِ إلَى حَرَكَةِ مَذْبُوحٍ رَجَعَ إلَى أَهْلِ الْخِبْرَةِ كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ‏:‏ أَيْ وَعَمِلَ بِقَوْلِ عَدْلَيْنِ مِنْهُمْ، وَحَالَةُ الْمَذْبُوحِ تُسَمَّى حَالَةَ الْيَأْسِ، وَهِيَ الَّتِي لَا يَصِحُّ فِيهَا إسْلَامٌ وَلَا رِدَّةٌ وَلَا شَيْءٌ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ، وَيَنْتَقِلُ فِيهَا مَالُهُ لِوَرَثَتِهِ الْحَاصِلِينَ حِينَئِذٍ، لَا لِمَنْ حَدَثَ، وَلَوْ مَاتَ لَهُ قَرِيبٌ لَمْ يَرِثْهُ ‏(‏ثُمَّ‏)‏ إنْ ‏(‏جَنَى‏)‏ شَخْصٌ ‏(‏آخَرُ‏)‏ عَلَيْهِ بَعْدَ الِانْتِهَاءِ لِحَرَكَةِ مَذْبُوحٍ ‏(‏فَالْأَوَّلُ‏)‏ مِنْهُمَا ‏(‏قَاتِلٌ‏)‏ لِأَنَّهُ صَيَّرَهُ إلَى حَالَةِ الْمَوْتِ ‏(‏وَيُعَزَّرُ الثَّانِي‏)‏ مِنْهُمَا لِهَتْكِهِ حُرْمَةَ الْمَيِّتِ كَمَا لَوْ قَطَعَ عُضْوًا مِنْ مَيِّتٍ ‏(‏وَإِنْ جَنَى الثَّانِي‏)‏ مِنْهُمَا ‏(‏قَبْلَ الْإِنْهَاءِ إلَيْهَا‏)‏ أَيْ حَرَكَةِ مَذْبُوحٍ ‏(‏فَإِنْ ذَفَّفَ‏)‏ الثَّانِي ‏(‏كَحَزٍّ‏)‏ لِلرَّقَبَةِ ‏(‏بَعْدَ جُرْحٍ‏)‏ سَابِقٍ مِنْ الْأَوَّلِ ‏(‏فَالثَّانِي قَاتِلٌ‏)‏ فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّ الْجُرْحَ إنَّمَا يَقْتُلُ بِالسِّرَايَةِ، وَحَزُّ الرَّقَبَةِ يَقْطَعُ أَثَرَهَا، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُتَوَقَّعَ الْبُرْءُ مِنْ الْجِرَاحَةِ السَّابِقَةِ أَوْ يُتَيَقَّنَ الْهَلَاكُ بِهَا بَعْدَ يَوْمٍ أَوْ أَيَّامٍ لِأَنَّ لَهُ فِي الْحَالِ حَيَاةً مُسْتَقِرَّةً، وَقَدْ عَهِدَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَعُمِلَ بِعَهْدِهِ وَوَصَايَاهُ ‏(‏وَعَلَى الْأَوَّلِ قِصَاصُ الْعُضْوِ أَوْ مَالٌ بِحَسَبِ الْحَالِ‏)‏ مِنْ عَمْدٍ أَوْ غَيْرِهِ ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ أَيْ وَإِنْ لَمْ يُذَفِّفْ الثَّانِي أَيْضًا كَأَنْ قَطَعَ الْأَوَّلُ يَدَهُ مِنْ الْكُوعِ وَالثَّانِي مِنْ الْمِرْفَقِ وَمَاتَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ بِسِرَايَةِ الْقَطْعَيْنِ ‏(‏فَقَاتِلَانِ‏)‏ بِطَرِيقِ السِّرَايَةِ، وَلَا يُقَالُ‏:‏ إنَّ أَثَّرَ الْقَطْعِ الثَّانِي أَزَالَ أَثَرَ الْقَطْعِ الْأَوَّلِ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ قَتَلَ مَرِيضًا فِي النَّزْعِ وَعَيْشُهُ عَيْشُ مَذْبُوحٍ وَجَبَ الْقِصَاصُ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَوْ قَتَلَ مَرِيضًا فِي النَّزْعِ وَعَيْشُهُ عَيْشُ مَذْبُوحٍ وَجَبَ‏)‏ بِقَتْلِهِ ‏(‏الْقِصَاصُ‏)‏ لِأَنَّهُ قَدْ يَعِيشُ فَإِنَّ مَوْتَهُ غَيْرُ مُحَقَّقٍ‏.‏ قَالَ الْإِمَامُ‏:‏ وَلَوْ انْتَهَى الْمَرِيضُ إلَى سَكَرَاتِ الْمَوْتِ وَبَدَتْ مَخَايِلُهُ فَلَا يُحْكَمُ لَهُ بِالْمَوْتِ، وَإِنْ كَانَ يُظَنُّ أَنَّهُ فِي حَالَةِ الْمَقْدُودِ، وَفَرَّقُوا بِأَنَّ انْتِهَاءَ الْمَرِيضِ إلَى تِلْكَ الْحَالِ غَيْرُ مَقْطُوعٍ بِهِ، وَقَدْ يُظَنُّ ذَلِكَ ثُمَّ يُشْفَى، بِخِلَافِ الْمَقْدُودِ وَمَنْ فِي مَعْنَاهُ، وَلِأَنَّ الْمَرِيضَ لَمْ يَسْبِقْ فِيهِ فِعْلٌ يُحَالُ الْقَتْلُ وَأَحْكَامُهُ عَلَيْهِ حَتَّى يُهْدَرَ الْفِعْلُ الثَّانِي‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْمَرِيضَ الْمَذْكُورَ يَصِحُّ إسْلَامُهُ وَرِدَّتُهُ، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ مَا ذَكَرَاهُ هُنَا مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ كَالْمَيِّتِ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ كَالْمَيِّتِ فِي الْجِنَايَةِ وَقِسْمَةِ تَرِكَتِهِ وَتَزَوُّجِ زَوْجَاتِهِ‏.‏ أَمَّا فِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْوَالِ فَهُوَ فِيهِ كَالْمَيِّتِ بِقَرِينَةِ مَا ذَكَرَاهُ فِي الْوَصِيَّةِ مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ وَصِيَّتِهِ وَإِسْلَامِهِ وَتَوْبَتِهِ وَنَحْوِهَا‏.‏ وَحَاصِلُهُ أَنَّ مَنْ وَصَلَ إلَى تِلْكَ الْحَالَةِ بِجِنَايَةٍ فَهُوَ كَالْمَيِّتِ مُطْلَقًا، وَمَنْ وَصَلَ إلَيْهَا بِغَيْرِ جِنَايَةٍ فَهُوَ كَالْمَيِّتِ بِالنِّسْبَةِ لِأَقْوَالِهِ، وَكَالْحَيِّ بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِهَا كَمَا جَمَعَ بِهِ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَهُوَ حَسَنٌ‏.‏